فسخ عقد النكاح في الشريعة الإسلامية والقانون اليمني


القاضي عادل الحمزي

الجزء الأول:
الفسخ للكراهية

من المعلوم إن الشريعة الإسلامية جعلت الطلاق بيد الزوج عندما يرغب عن زوجته لأي سبب كان، ولكن في المقابل جعل الشرع الحنيف للزوجة طلب الفسخ في حال رغبت عن الزوج، وأصبحت لا تطيقه أو إذا بلغ الضرر منها مبلغًا، ولا أبالغ أن قلت: إن قضايا الفسخ بالأخص الفسخ للكراهية المنصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية من أعقد المسائل في الأحوال الشخصية، حيث اشترط المقنن اليمني إجراءات معينة: ابتداء بالتثبت من أسباب الكراهية، ومرورًا باختيار حكمين إذا ثبتت أسباب الكراهية، وانتهاء بإعادة المهر من قبل الزوجة وفق ما جاء في المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية التي نصَّت على: (إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية، وجب على القاضي أن يتحرّى السبب فإن ثبت له، عيّن حكمًا من أهل الزوج وحكمًا من أهلها للإصلاح بينهما، وإلا أمر الزوج بالطلاق فإن امتنع حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر)، ومن نافلة القول الإشارة أن الفسخ الكراهية لم ينص عليه سوى المقنن اليمني ولا يوجد مثيلا له في القوانين العربية.


وسنتكلم عن الفسخ للكراهية في عدة محاور:
الأول/ تعريف الفسخ للكراهية، والأصل الشرعي له.
الثاني/ الإجراءات اللازمة في حال طلب الفسخ للكراهية.
الثالث/ النتائج المترتبة على الحكم بالفسخ للكراهية.

وسيتم الكلام عن هذه المحاور تفصيلا على النحو الآتي:
أولًا/ تعريف الفسخ للكراهية والأصل الشرعي له.

يمكن تعريف فسخ عقد النكاح للكراهية بأنه: إنهاء العلاقة الزوجية بحكم من قبل القاضي بناءً على طلب الزوجة بعد ثبوت أسباب الكراهية.


ومن خلال الاستقراء والبحث في النصوص الشرعية تبين أن الاصل الشرعي للفسخ للكراهية هو حديث امرأة ثابت بن قيس، ويظهر ذلك من خلال قول امرأة ثابت “إني أكره” ونص الحديث: أتت إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق أو دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال الرسول(صلى الله عليه وسلم): أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال(صلى الله عليه وسلم): اقبل الحديقة وطلقها تطليقه)، والذي يظهر من خلال الحديث أن طلب الفسخ من قبل المرأة ولا يوجد سبب من قبل الزوج، حيث قالت: لا أعتب عليه في خلق ولادين، ولكن أكره الكفر في الإسلام، والذي معناه كفران الزوج أي خوف التقصير في حقوقه، وليس المقصود الكفر الذي ضد الإسلام، وعليه فإن الفسخ للكراهية يكون بناءً على طلب الزوجة إذا توافرت لديها الكراهية.

لكن السؤال المهم؟ ما إذا كان الزوج يتعمد الإضرار بها من خلال التقتير في الإنفاق أو السب والشتم والإهانة… إلخ) لكي تفتدي نفسها بإعادة المهر، وسنجيب على السؤال في الجزء الثاني عند الكلام على الفسخ للضرر.


ثانيًا / الإجراءات اللازمة في حال طلب الفسخ للكراهية
أوجبت المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية على القاضي القيام بعدة إجراءات يقوم بها بالترتيب، وهي:
التثبت من أسباب الكراهية: لكن قد يقول قائل: كيف تستطيع الزوجة إثبات الكراهية، والكراهية أمر خفي في القلب؟ والجواب/ صحيح أن الكراهية أمر خفي يتعذر إثباتها أو قياسها، لكن يمكن التثبت من أسبابها، وهو ما أوجبه النص القانوني، ولذا تلزم الزوجة بإثبات أسباب الكراهية وليس الكراهية.
اختيار حكمين: وهو مستقى من الشرع الحنيف حيث قال الله (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرًا)، والذي يظهر أن الخطاب موجه للحاكم، فهو الذي يعين الحكمين، والقيام بعرض الاختيار على الزوجين ليس ملزمًا (كما يفعل بعض القضاة)، ولذا لا بد أن يصدر القاضي قرارًا بتعيين الحكمين، ولو اختيرا من قبل الزوجين، كما أن اشتراط أن يكون الحكمان من الأهل إنما هو للإرشاد وليس ملزمًا، إذ العبرة بمهنية وعدالة الحكمين وقدرتهما على أداء مهمتهما بكل كفاءة، كما أن على الحكمين أن يقوما بالجلوس مع الزوجين أكثر من مرة، والاستماع لكل منهما وسماع الأدلة، وعليهما أخذا الوقت الكافي لذلك، وبذل الوسع في سبيل الإصلاح بين الزوجين، ثم الرفع بالرأي صراحة إلى القاضي إما بالفسخ أو عدمه.
إذا قرر الحكمان الفسخ فعلى القاضي الحكم به: حيث إن قرار الحكمين ملزم، فهما ليسا للإصلاح فقط، كما أن تعيينهما لا يكون إلا بعد ثبوت أسباب الكراهية وفقًا لما جاء في النص القانوني، فإذا عجزا عن الإصلاح تعيّن الفسخ.
يأمر القاضي الزوج بالطلاق: وهو مأخوذ من حديث امرأة ثابت بن قيس، حيث قال النبي(صلى الله عليه وسلم) لثابت بن قيس: طلقها.. فإذا رفض أن يطلقها حكم القاضي بالفسخ.
إعادة المهر: حيث جاء في حديث امرأة ثابت: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وطلقها، ولكن من الصعوبات في الواقع العملي أن كثيرًا منهن لا تعيد المهر ولو حكم به، إذ يتعذر إلزامها بعد الفسخ بإعادة المهر، وحسنًا يقرر بعض القضاء إلزامها بتوريده إلى خزينة المحكمة قبل النطق بالحكم.
ويبقى الإشارة إلى شيء مهم وهو: ما هو المهر الذي يجب عليها إعادته؟ وهل يدخل فيه ما يسمى ببعض المناطق الشرط؟ وهل يؤخذ بالاعتبار فارق سعر العملة؟
والجواب: الأصل أن كل ما يدفعه الزوج للمرأة، أو وليها يُعدُّ مهرًا، ولا يضير تسميته مهرًا أو شرطًا أو تكاليف أو غيره.
أما بالنسبة لتغير سعر العملة من حين للآخر: فالأصل أن تلزم بإعادة المهر بالعملة نفسها المدفوعة حين العقد نقدًا أو ذهبًا، ولكن التدهور المخيف لسعر العملة والفارق الكبير، الذي يزداد من وقت لآخر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، وقد عدَّ كثيرا من أهل العلم انخفاض سعر العملة إلى الثلث أو أكثر موجبًا لتحمل الفارق، مستدلين بحديث (والثلث كثير)، بل إن القانون عدّ الغبن في المعاوضات إذا زاد عن 10%، وعليه فإنه يمكن الأخذ بالاعتبار تدهور سعر العملة والحكم بإعادة المهر وفقًا لقيمته الحقيقة في حينه بشرط إذا بلغ التدهور حدود الثلث أو أكثر.


ثالثا/ النتائج المترتبة على الحكم بالفسخ للكراهية.
بعد الحكم بالفسخ من قبل القاضي الابتدائي لا يصير الحكم نهائيًا، إلا إذا لم يستأنف الحكم من قبل أحدهما خلال ستين يومًا من تاريخ تسلم نسخة الحكم.
فما هي الآثار المترتبة على حكم الفسخ؟
من حيث العدة: إذا كانت مدخولًا بها، فمتى تبدأ؟ وكم مقدارها؟
أما من حيث بدء العدة: فمن تاريخ الحكم به وفقًا لنص المادتين(80،45) من قانون الأحوال الشخصية، لكن اختلف في تفسير النص هل الحكم الابتدائي أم النهائي؟ والأصل أن المقصود به الحكم الابتدائي، ولكن إذا استؤنف الحكم لا يحق لها تتزوج إلا بعد أن يصير باتًا.
وأما مقدارها: فلم يفرق قانون الأحوال الشخصية بين عدة المطلقة وبين عدة المفسوخة وفقًا لنص المادة (84)، بالرغم أن حديث امرأة ثابت بن قيس أمرها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن تعتد بحيضة.

ولذا فإن عدة المفسوخة وفقًا لنص المادة (82) من قانون الأحوال الشخصية إذا كانت حاملًا حتى تضع حملها، وإذا لم تكن حاملًا فعلى التفصيل الآتي:
أ- ذات الحيض: ثلاث حيض غير التي طلقت وهي فيها.
ب- غير ذات الحيض: كالآيسة ثلاثة أشهر.
ج – المنقطعة لعارض: تتربص ثلاثة أشهر فإذا لم يعد فيها الحيض انقضت عدتها بها، وإن عاودها الحيض خلالها استأنفت ثلاث حيض.
د – عدة المستحاضة: ثلاث حيض إن كانت ذاكرة لوقتها وعددها وإلا فثلاثة أشهر.
والله الموفق..

*قاضي محكمة مأرب الابتدائية


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد