القاضي/ عمار علوي
هي ظاهرة إجرامية وجدث حديثًا في مجتمعنا اليمني من خلال قيام شخص ذكرًا كان أو أنثى بتهديد شخص آخر بنشر معلوماته أو صوره أو بيانات قام الضحية بإنشائها أو إرسالها أو تخزينها لثقته بالمبتز(المجرم) أو لأجل عملها بحساب خاص بهاتفه واسترجاعها عند الرجوع أو الحاجة إليها عن طريق الوسائل الإلكترونية الحديثة المتصلة بشبكة الإنترنت الضخمة المتصلة مع بعضها بعض، بتواصل بين هاتف أو جهاز كمبيوتر أو أكثر معًا عن طريق كوابل أو تقنيات خاصة من أجل تبادل المعلومات، فالإنترنت والاتصال المرئي بين شخصين أو مجموعة بالهواتف أو الحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر) من خلال شبكة اتصال متعددة يطلق عليها (NETWORK) أي وسيط لنقل المعلومات التي يتشارك فيها الأفراد فيما بينهم دون علمهم بأنهم قرروا السماح لآخرين بالاتصال بهواتفهم ومشاركتهم للمعلومات معهم أو إرسالها بموافقتهم ولثقتهم بهم أو لخوف الضحية من الفضيحة المجتمعية والأمنية تحت غطاء التهديد والابتزاز، اذًا جريمة الابتزاز الإلكتروني: هي جريمة من جرائم السلوك المتعدد والحدث المتعدد، والسلوك المتعدد فيها هو من ناحية سلوك مادي ذو مضمون نفسي يتمثل في الاحتيال على الآخر، وهو من ناحية أخرى سلوك مادي بحت يتمثل في التوصل إلى الاستيلاء على شيء أخلاقي أو مادي (المال)، من خلال خدع الضحية وكسب ثقته. باستخدام المبتز بسلوكه الأول بصنع خيال بفكره يجعله واقع بالإرادة لدى من يتلقى منه هذه المخاطبة الجميلة في زرع الثقة وزرع الشعور بالطمأنينة أو إقناع الضحية بفكرة معينة بأن يرسل له صورًا معينةً أو طلب قيامه بعمل محادثة مرئية لتعلقه وحبّه للضحية، مما يجعل الضحية تقتنع بذلك الأسلوب، فيقدم إلى الجاني تلك الطلبات ثم ينقلب بالسلوك المادي البحت.
صفات المجرم الإلكتروني: يُعدُّ الذكاء من أهم صفات المجرم المعلوماتي؛ لأنه يتطلب منه الإلمام بالتكنولوجيا المعلوماتية إلى جانب قدرته العالية بالتعامل مع الحاسب الآلي والإقناع في الجرائم الأخلاقية، وهذا في الدول المتقدمة عكس دولة مثل اليمن تركيز المجرم فيها يكون أما جانب أخلاقي بحت أو جانب مادي ولا يشترط به الذكاء بل ساعدته الظروف التي تمر بها الدولة بسبب الحرب وعدم وجود رقابة ونصوص عقابية محاسبة له لكون وسائل التواصل الاجتماعي يستخدمها جميع الناس بمختلف أعمارهم.
خصائص جريمة الابتزاز الإلكتروني:
1- إنها جريمة اعتداء على العرض أو المال من خلال خداع المبتز لضحية بدافع الإعجاب ثم الحب والزواج بدافع الحصول على علاقة غير شرعية أو المال.
2- تغيير جوهر الحقيقة بالتدليس والخداع والتغيير للحقائق في ذهن الضحية، مما يحمله على قبول تصرف ضار به أو بغيره.
3- الابتزاز يقترب من جريمة النصب والاحتيال نفسها بيد أن تمييزه عنها في أن تغيير الحقيقة لا يقوم به النصب إلا إذا كان ذلك وسيلة للاعتداء على الملكية وجريمة النصب وقتية أما الابتزاز قد تكون جريمة دائمة؛ لأن الابتزاز من جرائم السلوك المتعدد والحدث المتعدد والسلوك المتعدد فيها من ناحية سلوك ومضمون نفسي في التوصل إلى سلوك معين وأكثره ما يكون الحصول على مال، فالمبتز بسلوكه الأول يخاطب ملكة الفكر والخيال وملكة الشعور وملكة الإرادة لدى من يتلقى منه هذه المخاطبة لإقناعه بأن يسلم له أمرًا معينًا نظير مقابل وهَم معين مجزي ومرغوب لدى الضحية، وإذ يقتنع بذلك هذا الأخير ليقدم نفسه وكل ما يطلب منه للمبتز فيستلمه منه مدخلًا أمر آخر ثان هو سلوكه المادي البحت، والمتمثل في إيجاد علاقة حميمة بينهما أو حصوله على مال الضحية.
أركان جريمة الابتزاز الإلكتروني:
الركن الشرعي: وهو الركن الذي يجعل ارتكاب الجريمة محظورًا شرعيًا، أي أنها كل تصرف يحظره الشرع، وهذا النوع من الجرائم يحظره الشرع لكونه خارج من دائرة الإباحة الأصلية وداخلًا في دائرة المنع إلا أنه يتكون العنصر الشرعي من أن يوجد نص تشريعي يحرم الفعل، وهُنا لا يوجد نص تشريعي آخر يبيح ذلك الفعل بعد تحريمه أي لا يوجد سبب إباحة يرفع عن ذلك الفعل صفة التجريم، لذلك لا بد من وجود قانون لأنه (فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، وبهذا يقوم مبدأ أساسي هو (شرعية الجرائم والعقوبات).
والركن (المادي): في جميع الجرائم ويتحقق سواء كانت الجريمة تامة فيعاقب عليها الفاعل بالعقوبة الكاملة أو أن يكون قد عدل نفسه عن مواصلته للجريمة وحينها لا يعاقب على الفعل، أو قد يواصل فعله باستخدام الطرق الاحتيالية باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، ولكن فعله قد يوقف بسبب خارج عن إرادته كالجريمة الموقوفة أو الخائبة لأسباب حالة بينه وبين الضحية لا دخل لإرادته بها.
والقصد الجنائي (الركن المعنوي): الابتزاز هو جريمة عمدية تتم بتوافر القصد الجنائي لدى المبتز حتى إذا تكاملت معه باقي الأركان حق عليه العقاب، ويكفي في جريمة الابتزاز أن يتوافر القصد العام الذي يتطلبه المشرّع في كل الجرائم العمدية.
مراحل الابتزاز الإلكتروني:
يقوم بالموافقة وتلبية أوامر المبتز، تبدأ بعلاقة صداقة مع الشخص المستهدف، ثم التواصل عبر برامج المحادثات المرئية، ثم الاستدراج عن طريق تبادل الصور والفيديوهات، ثم الطلبات المالية أو التهديد بنشر تلك الصور… إلخ.
طرق الابتزاز الإلكتروني:
الثقة لدى الضحية أو سرقة الحساب بإرسال بعض الروابط الاحتيالية على وسائل التواصل الإلكتروني المختلفة وإرسال تحديثات بعض البرامج مثل الواتس آب أو الفيس بوك أو الإيمو… إلخ أو عروض جوائز عبر فتح روابط معينة أو إرسال صور بمجرد الدخول عليها يأخذ بياناتك أو يقوم بالتقاط عدة صور لضحية دون علمه، لذلك يجب التوعية.
ومن طرق الوقاية من الابتزاز الإلكتروني:
عدم نشر الصور وتبادلها بين الأصدقاء وخصوصًا النساء في التصوير بهواتف صديقاتهم أو أقاربهم، وعدم كشف كلمات المرور لأي حساب نهائيًا سواء رؤيتها لأي شخص كان أو إرسالها عند الطلب عبر الوسائل الإلكترونية بطلبها عبر شركة اتصالات أو حسابات بنكية، عدم قبول أي طلبات غير معروفة مباشرة، وعدم الدخول على الروابط والإعلانات التي تتواجد بالمواقع الإلكترونية، وعدم تصفح المواقع مجهولة المصدر أو غير المشهورة التي ترتبط ببعض المواقع التي تفتح بالكاميرا كالمواقع أو البرامج الإباحية، تنزيل البرامج الأصلية من مصدرها الرسمي.
أهم مشاكل جرائم الابتزاز الإلكتروني:
من أهم المشكلات التي تواجه المجتمع في اليمن غياب القوانين والعقوبات التي من شأنها الحد من هذه الجرائم بقانون خاص بالجرائم الإلكترونية ينظم جميع الإجراءات والاستدلالات والتحقيق في الجرائم الإلكترونية وطرق إثباتها، مما يسبب مشكلة كبيرة أمام القضاة في ظل تزايد جرائم قضايا الابتزاز الإلكتروني التي تُعرض أمامهم، مما يجعل القاضي يجتهد من خلال الرجوع إلى نصوص قانونية ضيقة ومحددة بأحكام القانون اليمني، والمتمثلة في قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م بالمواد (257، 256، 245، 313) وبعض المواد بالقانون رقم (40) لسنة 2006م بشأن أنظمة الدفع والعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية، مما يجعل جرائم الابتزاز الإلكتروني من أخطر الجرائم في وقتنا الحاضر لعدم وجود قانون خاص يجرمها ولعدم وجود أجهزة رقابة حديثة لدى الدولة، فيجعل الأجهزة الأمنية في حالة تخبط وتيهان لعدم وجود الآلية المحددة في كيفية محاربة هذه الجرائم الخطيرة، مما يشكل لدى قاضي التحقيق الجنائي قلة الحيلة في النيابة العامة التي ليس أمامها في رفع الدعوى الجزائية سوى الاستعانة بما هو موجود من نصوص قانونية في قانون الجرائم والعقوبات وقانون الإجراءات الجزائية التي من خلال هذه المواد تصبغ وتضع التكييف القانوني المناسب لمواجهة هذه الجرائم الإلكترونية، وهذا القصور في النص القانوني يؤدي بلا شك إلى المساس بمبدأ المشروعية الجنائية ومبدأ التفسير الضيق للنص القانوني بحيث يُعرض إجراءات جمع الاستدلال والتحقيق والمحاكمة لعورات قانونية يشوبها الضعف في قرار الاتهام والطعن فيها من قبل أي محامٍ ملمٍ بالإجراءات القانونية، مما يؤدي إلى بطلان تلك القرارات والأحكام القضائية الصادرة بها.
أوجه القصور التشريعي بجرائم الابتزاز الإلكتروني:
1- غياب القانون والعقوبة الخاصة به يؤدي إلى عدم جواز التجريم والعقاب عند انتفاء النص القانوني، الأمر الذي يمنع مجازاة مرتكبي الجريمة العقوبة التي يستحقها.
2- قلة الوعي الرقمي، وضعف وجود تصور واضح المعالم لرجال الأمن والقضاء تجاه الجرائم الإلكترونية لكونها من الجرائم الحديثة بسبب عدم وجود جهاز رقابي على شبكة الإنترنت من الدولة بسبب الحرب، مما يصعب الوصول لمرتكبي الجريمة وصعوبة الوصول إلى الدليل لكونه لا عقوبة إلا بدليل، وبسبب الفراغ التشريعي للدولة بسبب الحرب الدائرة باليمن وعدم وجود أي تطور بالقوانين لمواكبة العالم.
التوصيات للمشرّع بشأن الجرائم الإلكترونية:
ـ يجب أن يعمل المشرع اليمني أكثر من أي وقت مضى للتدخل من أجل إصدار “قانون الجرائم الإلكترونية” أسوة بما هو مقرر في التشريعات العربية والأجنبية المعاصرة، تضمن وتصون حقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة هذه التهديدات.
ـ ضرورة إصدار قانون الجرائم الإلكتروني، وتخصيص شرطة خاصة لمكافحة الجرائم الإلكترونية.
ـ تكثيف الدورات القانونية والمعرفية لقضاة التحقيق بالنيابة العامة وقضاة الحكم بشأن كيفية التعامل مع مثل هذه الجرائم المتطورة والحديثة.
ـ نشر الوعي المجتمعي بين المواطنين عبر المساجد بشأن خطورة هذه الجرائم ولاسيما الشباب.
*رئيس محكمة الميناء الابتدائية م/عدن
اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


لا تعليق