الابتزاز الإلكتروني بين عدم الحماية القضائية وكيفية حلها


مريم عبدالله القيسي

ضعف الحماية الأمنية والقضائية في المجتمع اليمني:
إن من المشكلات الشرعية والقانونية التي تواجه رجال العدالة الجنائية في الجمهورية اليمنية هو عدم وجود تشريع جنائي خاص بالجرائم الإلكترونية تنظم جميع الاستدلالات والتحقيق في الجرائم الإلكترونية وطرق إثباتها، ولا مناص أمام القضاة في ظل تزايد قضايا الابتزاز الإلكتروني التي تعرض أمامهم إلا بالرجوع إلى نصوص وأحكام القانون اليمني والتي منها:
1- قانون رقم (12) لسنة 1994 بشأن الجرائم والعقوبات في مواده (257 – 256 – 245 – 246 – 247 – (313
2- قانون رقم (13) لسنة 1994 بشأن الإجراءات الجزائية.
3- قانون رقم (40) لسنة 2006 بشأن أنظمة الدفع والعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية.


إذن فالنيابة العامة ليس أمامها إلا الاستعانة بما هو موجود من نصوص في القانون الجنائي لمواجهة الجرائم المعلوماتية والاستعانة بالخبراء، وكل ذلك يؤدي بلا شك إلى المساس بمبدأ الشرعية الجنائية ومبدأ التفسير الضيق للنص الجنائي بحيث يعرَّض إجراءات الاستدلال والتحقيق وحتى المحاكمة لعورات قانونية تشوبها، وإمكانية الطعن فيها، ما يؤدي بالنتيجة لبطلانها، وهذا يعني أننا نعيش في ظل فراغ تشريعي أو على أقل تقدير قصور تشريعي لمواجهة الجرائم المعلوماتية، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول استيعاب نصوص تلك القوانين وأحكامها.
“وتناسبها وملائمتها لمقتضيات سير إجراءات الاستدلال، والتحقيق في الجرائم الإلكترونية، وكذا حجية الإثبات الرقمي من عدمها.


بعض من أوجه التشريع التشريعي:
أولًا: إن مبدأ الشرعية الجزائية يفرض عدم جواز التجريم والعقاب عند انتفاء النص، الأمر الذي يمنع مجازاة مرتكبي السلوك الضار أو الخطر على المجتمع بواسطة الإنترنت، طالما أن المقنن اليمني لم يقم بسن التشريعات اللازمة لإدخال هذا السلوك ضمن دائرة التجريم والعقاب.
لذا يتعين على المقنن اليمني مواكبة التطورات التي حدثت في المجتمعات العربية والأجنبية للتصدي لظاهرة الإجرام المعلوماتي.


ثانيًا: ضعف وجود تصور واضح المعالم للقانون والقضاء تجاه الجرائم الإلكترونية لكونها من الجرائم الحديثة الشيء الذي يقودنا إلى:
أ- صعوبة في الوصول إلى مرتكبي أغلب الجرائم الإلكترونية.
ب- صعوبة في الوصول إلى الدليل.
ت- نقص خبرة الشرطة وجهات الادعاء والقضاء، نظرًا لطبيعة الجرائم الإلكترونية.


ثالثًا: رغم صدور عدد من التشريعات بشأن حماية الملكية الفكرية والصناعية التي تضمنت النص على برامج الحاسب وعدَّتها من ضمن المصنفات المحمية في القانون، إلا أن مكافحة الجرائم المعلوماتية في اليمن ما زالت بلا غطاء تشريعي يحددها ويجرم كافة صورها.


ومما تجدر الإشارة إليه أن التشريعات الموجودة في القانون اليمني إما أنها لازالت ناقصة وقاصرة، وإما أن هناك فراغًا تشريعيًا يحتاج إلى سد من رجال القانون.


وبناءً على ما تقدم، فقد حان الأوان لأن يعمل المقنن اليمني أكثر من أي وقت مضى للتدخل من أجل إصدار قانون يسمى “قانون الجرائم الإلكترونية” أسوةً بما هو مقرر في التشريعات العربية والأجنبية المعاصرة، تضمن حقوق الأفراد وحرياتهم وتصونها في مواجهة هذه التهديدات؟


وعليه، ولعدم توافر تقنيات حديثة تساعد في التحقق من جميع الحسابات، وعدم سيطرة الحكومة الشرعية بشركة الاتصالات الحكومية، تسعى النيابة العامة، بالشراكة مع “كتل “دون”، للحصول على برنامج مزود بالذكاء الاصطناعي لتتبع الاتصالات من خلال روابط معينة أو رسائل، وصولًا إلى الحسابات البنكية للمبتز.


ونظرًا لتكلفة البرنامج الباهظة، يتطلب توفيره للشعبة المتخصصة بمكافحة الابتزاز تدخل المانحون، وفق مدير وحدة الاتصال الدولي والتنسيق مع المنظمات في مكتب النائب العام، عيسى قائد.


الحلول الممكنة في الحد من جريمة الابتزاز الإلكتروني:
لقد حان الأوان لأن يعلن المفتي اليمني أكثر من أي وقت مضى للتدخل من أجل إصدار قانون يسمى “قانون الجرائم الإلكترونية” أسوة بما هو مقرر في التشريعات العربية والأجنبية المعاصرة، تتضمن حقوق الأفراد وحرياتهم وتصونها في مواجهة هذه التهديدات.


ويتعين علينا أن نرصد بعضًا من وسائل سد الفراغ التشريعي وفي تصورنا للحلول المقترحة إضافة إلى ضرورة إصدار قانون الجرائم الإلكتروني يمكن أن تكون الحلول الأخرى على النحو الآتي:
1- ضرورة تخصيص شرطة خاصة لمكافحة الجرائم الإلكترونية.


2- يتعين تدريب النيابة العامة بشأن التعامل مع أجهزة الحاسوب والإنترنت.


3- ضرورة نشر الوعي بين المواطنين – لا سيما الشباب – بمخاطر التعامل مع المواقع السيئة على شبكة الإنترنت.
4- يتعين إدخال مادة “أخلاقيات استخدام الإنترنت” ضمن المناهج الدراسية.


5- أهمية النهوض بوسائل الإعلام لإثارة هذه الملفات والتحذير من مخاطرها، ووضع برامج لتوعية النساء بخطورة الابتزاز الإلكتروني، وكيفية تفادي الوقوع في مصيدته، فضلًا عن توعية المجتمع بمخاطر السكوت على هذه الجرائم، وحثهم على الإبلاغ عنها لتسهيل السيطرة عليها مبكرًا وتجنب مآلاتها الكارثية.


6- فرض رقابة شديدة على مراكز بيع الهواتف وإصلاحها منعًا للابتزاز ومسبباته، وتسهيل إجراءات الإبلاغ عن هذه الجرائم والتعامل معها (البلاغات) بجدية، والتحرك السريع لضبط الجناة فور تلقي البلاغات الموثوقة.


7- إن تغيير وعي الأفراد، يُعدُّ الخطوة الأولى لتغيير واقعهم، وانطلاقًا من هذه المسلمة، فإن الرهان يقع على وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والنشطاء، والمؤثرين، في تحمل هذه المسؤولية، والتصدي لظاهرة الابتزاز الإلكتروني، وهو ما يستدعي التشبيك والتنسيق، على المستويين المحلي والدولي، بما يضاعف من فاعلية الجهود المبذولة وكفاءتها.


8- تعديل بعض التشريعات والقوانين في الدستور وتطويرها لمواجهة الابتزاز الإلكتروني، بحيث تكون هناك مادة تنص بشكل خاص لهذه الظاهرة حتى تقمع المعتدين من الدخول في ثغرات القانون للإفلات من العقاب.. إذ إن معظم القوانين اليمنية لم يتم تحديثها لتلائم الواقع فيما يتعلق بالابتزاز الإلكتروني، ولا يوجد نص قانوني صريح ينص على مثل هذا المصطلح، كون أن مصطلح الابتزاز الإلكتروني دخيل على اللغة والقانون، فهو مصطلح غير واضح ودقيق كما أنه غير وارد في قانون الجرائم والعقوبات اليمني.


9- تفعيل المساءلة القانونية والعمليات الرقابية داخل أقسام الأمن والشرطة، لابد من تفعيل المساءلة والبحث والتقصي عن الجاني من قبل أفراد الشرطة، والاستجابة السريعة للشكاوي المقدمة وعدم تجاهلها، كون ذلك يعرض الضحية للخطر وأيضًا كلما كان في حرص من الجهات الأمنية في تقصي الجرائم أيا كان نوعها سيساعد ذلك المجني عليه من اللجوء القانوني بشكل مباشر في حال تعرضه للابتزاز دون خوف أو تردد.


10- تفعيل الضبط الاجتماعي داخل الأسرة، لابد من زيادة الوعي بأهمية المشاركة الأسرية التي تسمح لأفراد الأسرة بالحديث عن المشاكل التي قد تتعرض لها الفتيات دون الخوف من أسرتها أو شعورها بعدم الثقة التي تجعلها فريسة سهله للجاني، وبالتالي يزيد الجاني الضغط عليها لتهديدها لمعرفة أهلها. فلا بد من توجيه الأخصائيين الاجتماعيين بالقيام بهذا الدور في المدارس والجامعات من خلال زيادة الروابط الأسرية، وخلق مساحات للحديث والنقاش، وكذا القدرة على الحديث سواء للفتاة أو الأولاد في حالة التهديد من قبل أي شخص.


11- تكثيف الدور الإعلامي في التصدي لهذه الجريمة من خلال التركيز في البرامج الإعلامية المختلفة على نشر الوعي حول مخاطر هذه الجريمة، وتبصير أفراد المجتمع بأساليب المبتزين وطرق التعامل معهم؛ لكي لا يكونوا صيدًا سهلًا للجرائم الإلكترونية وآليات الإبلاغ عنها.


12- تفعيل إعداد الورش والندوات التوعوية والتثقيفية لمختلف الفئات في المجتمع مع ضرورة تعاون المؤسسات الإعلامية والتنظيمات ومنظمات المجتمع المدني في القيام بهذه المهمة من خلال الاستفادة من جهود المتخصصين والأكاديميين وخبراتهم في هذا الصدد من خلال تسخير جزء من جهودهم في الخدمة المجتمعية.


13- حث الجامعات والمراكز البحثية العربية للبحث والدراسة في الجرائم المعلوماتية والجرائم عبر الإنترنت، ومحاولة إنشاء دبلومات متخصصة في المجالات الفنية والقانونية المتعلقة بمكافحة تلك الجرائم.


14- تخصيص رقم موحد لتلقي البلاغات والشكاوى والتعامل معها بجدية، إذ تدعو الحاجة إلى أن يكون هناك رقم مخصص لتلقي المشاكل مع الحفاظ على هوية مقدم الشكوى وأسراره، ويجب التعامل معها بنوع من الخصوصية والسرية والجدية، ولابد أن يكون إدراك بأهمية التواصل مع البلاغات والشكاوى بنوع من الحرص الشديد، ومن الأفضل أن يكون هناك تعاون مع اللجنة المختصة لتلقي الشكاوى ومع أقسام الشرطة في المحافظات جميعها حتى يسهل عملية التتبع والوصول إلى مقدم البلاغ أو متابعة الجاني والتعامل معه حسب الإجراءات القانونية.


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد