الشرطة القضائية في اليمن: المهام والتحديات وآفاق التفعيل.. (ملخص دراسة تطبيقية على العاصمة المؤقتة عدن)


عبدوه عبدالله مثنى

تمهيد


تُعدُّ مؤسسات العدالة الركيزة الأساس لاستقرار الدول وسيادة القانون، ويمثل جهاز الشرطة القضائية أحد أعمدتها التنفيذية، الذي بدونه تظل الأحكام القضائية حبرًا على ورق، وتفقد الدولة قدرتها على فرض النظام وتنفيذ القانون. وفي السياق اليمني، حيث تمر مؤسسات الدولة بتحديات غير مسبوقة، يبرز الحديث عن الشرطة القضائية بوصفها ضرورة إصلاحية وأمنية وعدلية، تكتسب أولوية قصوى في جهود ترميم بنية العدالة وإرساء سلطة القانون.


بادي ذي بدء، تُعدُّ الشرطة القضائية إحدى الركائز الجوهرية في بنية العدالة الجنائية، إذ تمثل حلقة الوصل التنفيذية بين الأجهزة القضائية والأمنية، وتضطلع بمهام تنفيذ أوامر السلطة القضائية، وضمان سير العدالة في بيئة آمنة ومنظمة. ورغم وجود نصوص قانونية تنظم عمل هذا الجهاز، إلا أن الواقع العملي في اليمن، لاسيما في العاصمة المؤقتة عدن، لا يعكس التفعيل المطلوب لهذا الدور الحيوي.


حيث قمنا بتسليط الضوء على المهام القانونية المناطة بالشرطة القضائية، وتحليل الواقع الميداني لأدائها، واستعراض أبرز التحديات التي تعيقها، مع تقديم توصيات عملية لتفعيل هذا الجهاز بالشكل المؤسسي المطلوب.
أولًا: الإطار النظري والتشريعي

1. تعريف الشرطة القضائية:
الشرطة القضائية هي جهاز تابع للسلطة القضائية يُناط به تنفيذ أوامر وقرارات النيابة العامة والمحاكم، كما يُعنى بحماية المقرات القضائية، وتأمين نقل المتهمين، وضبط النظام داخل قاعات المحاكم، وغير ذلك من المهام المرتبطة بسير العدالة.
ويتطلب هذا الدور احترافية عالية وتدريبًا متخصصًا يجمع بين المعارف القانونية والمهارات الأمنية، بما يضمن تنفيذ المهام القضائية بدقة دون تجاوز أو تقصير.

2. الأساس القانوني:
قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م وتعديلاته.
قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994م.
الدستور اليمني النافذ.

3. التبعية المؤسسية:


تتبع الشرطة القضائية إداريًا لوزارة العدل، وفنيًا للنيابة العامة، وتعمل بوصفها وحدات ميدانية ضمن المحاكم والنيابات لتنفيذ أوامرها، وتوفير الحماية اللازمة لها.. إلا أن غياب تفعيل هذا البناء القانوني أدَّى إلى ضياع المسؤولية بين الأجهزة، وانعكس سلبًا على كفاءة تنفيذ الأحكام والأوامر القضائية، ما يتطلب مراجعة دقيقة لمسارات التنسيق المؤسسي والإداري.


ثانيًا: المهام والاختصاصات
ـ تنفيذ أوامر القبض والإحضار الصادرة عن النيابة العامة.
ـ تأمين جلسات المحاكم، وضبط النظام داخل القاعات.
ـ نقل المتهمين والموقوفين من وإلى السجون.
ـ تنفيذ أوامر الإفراج الصادرة من الجهات القضائية.
ـ حماية مقرات المحاكم والنيابات العامة.


ـ مرافقة القضاة وأعضاء النيابة في أثناء المهام الميدانية.
هذه المهام لا تقتصر على الجوانب الإجرائية فحسب، بل تمثل ضمانة حقيقية لحصانة القضاء وسرعة الإجراءات القضائية، وهي أساسية في ترسيخ هيبة القانون وثقة المتقاضين في العدالة.


ثالثًا: واقع الشرطة القضائية في العاصمة المؤقتة عدن
تعاني الشرطة القضائية في عدن من ضعف تنظيمي وهيكلي، ونقص في الكوادر المؤهلة، فضلًا عن غياب التنسيق الفعّال مع الأجهزة الأمنية الأخرى.


وغالبًا ما تُناط المهام القضائية بقوات الأمن العام أو النجدة، ما يؤدي إلى خلل في تنفيذ الأوامر القضائية بالشكل القانوني المطلوب.


ومن أبرز المظاهر لهذا القصور، حادثة الاعتداء على القاضي صلاح محمد سيف قاسم – رئيس محكمة الحبيلين الابتدائية – التي أسفرت عن توقف العمل القضائي وتعليق جلسات المحكمة، في ظل تقاعس الجهات الأمنية عن حماية السلطة القضائية، مما يكشف عن الحاجة الملحة لتفعيل جهاز الشرطة القضائية.


ويُعدُّ هذا النموذج من الحوادث ليس استثناءً، بل إن غياب الشرطة القضائية أسهم في تصاعد الاعتداءات على القضاة، وتأخير تنفيذ الأحكام، ما يُقوّض مصداقية القضاء أمام الرأي العام.


رابعًا: التحديات والمعوقات
ـ ضعف التدريب القانوني والأمني لأفراد الشرطة القضائية.
ـ نقص المعدات والموارد اللوجستية.
ـ تداخل الصلاحيات مع أجهزة الأمن الأخرى (الأمن العام – النجدة).
ـ غياب الاستقلال المالي والإداري داخل وزارة العدل.
ـ تدني مستوى الحوافز المالية والمعنوية للأفراد.
وتبرز هنا إشكالية غياب الرؤية المؤسسية الواضحة لدور الشرطة القضائية، ما يحول دون تحولها إلى جهاز متخصص ومهني ومستقر، قادر على تأدية وظائفه في بيئة محفوفة بالتحديات الأمنية والقانونية.


خامسًا: التوصيات
ـ إعادة هيكلة جهاز الشرطة القضائية، وتحديد تبعيته بوضوح.
ـ تنفيذ برامج تدريب متخصصة ومستمرة في الجوانب القانونية والأمنية.
ـ إصدار لائحة تنفيذية واضحة تنظم مهامه وصلاحياته.
ـ دعم الجهاز بالمركبات والمعدات التقنية والمستلزمات اللوجستية.
ـ تحسين الوضع المادي والمعنوي للعاملين فيه بما يعزز انضباطهم وكفاءتهم.


ويُفترض أن تكون هذه التوصيات جزءًا من خطة وطنية متكاملة لتأهيل الشرطة القضائية وتفعيلها، بالشراكة مع مجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية والنائب العام، لضمان تكامل الأدوار، وتحديد المسؤوليات.


وفي الختام، تُعدُّ الشرطة القضائية صمام الأمان في منظومة العدالة، وضمانة حقيقية لفرض هيبة القانون وحماية السلطة القضائية. غير أن واقع جهاز الشرطة القضائية في العاصمة المؤقتة عدن يظهر ضعفًا هيكليًا ومؤسسيًا خطيرًا، يعوق أداء العدالة ويقوّض ثقة المواطنين بها. وعليه، فإن تفعيل هذا الجهاز وتعزيز قدراته لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل. فلا يمكن تحقيق العدالة بدون أداة تنفيذية فاعلة، ولا يمكن الحديث عن دولة القانون دون شرطة قضائية مهنية مستقلة، تُمثل الامتداد العملي لأحكام القضاء وقرارات النيابة.


المراجع:
قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م.
قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994م.
الدستور اليمني النافذ.
د. عبدالقادر المخلافي، شرح قانون الإجراءات الجزائية اليمني.
تقارير ميدانية وإعلامية بشأن حادثة الاعتداء على القاضي صلاح محمد سيف قاسم – 2024م.


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد