جريمة التسول في القانون اليمني.. دراسة تحليلية وتوصيات بالتعديل


القاضي أسيل سعد

تُعدُّ جريمة التسول من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تنعكس سلبًا على صورة المجتمع، وتؤثر في أمنه واستقراره، كما أنها ترتبط بمشكلات اقتصادية واجتماعية عميقة في اليمن، وقد تفاقمت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمرُّ بها البلاد، مما يستدعي النظر في كيفية تعامل القانون اليمني معها، ومدى فاعلية النصوص القانونية وكفايتها لمعالجة هذه الظاهرة.

إن المشرع اليمني قد نظم جريمة التسول في المادة (203) من قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م، التي تنصُّ على ما يلي: ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر من اعتاد ممارسة التسول في أي مكان إذا كان لديه أو في إمكانه الحصول على وسائل مشروعة للتعيش، وتكون العقوبة الحبس الذي لا يزيد على سنة إذا رافق الفعل التهديد أو ادعاء عاهة أو اصطحاب طفل صغير من غير فروعه، ويجوز للمحكمة بدلًا من الحكم على المتسول بالعقوبة المقررة أن تأمر بتكليفه بعمل إلزامي مدة لا تزيد على سنة إذا كان قادرًا على العمل أو تأمر بإيداعه ملجأ أو دار للعجزة أو مؤسسة خيرية معترف بها إذا كان عاجزًا عن العمل، وذلك متى كان إلحاق أي منهما بالمحل الملائم له ممكنًا)).

ومن حيث الطبيعة القانونية للجريمة تُعدُّ جريمة التسول جريمة غير جسيمة استنادًا لنص المادة (17) من قانون الجرائم والعقوبات، كما أنها تُعدُّ من الجرائم العمدية التي يتطلب لقيامها عنصر العمد، وذلك باستعمال وسيلة من وسائل الغش أو التوسل بمظهر العجز؛ لاستدرار العطف كادعاء المرض أو العجز واستخدام الأطفال أو العاهات المصطنعة والادعاء بالحاجة الكاذبة وغيرها من الأفعال.

وبالرغم من تجريم المشرّع اليمني للتسول في المادة (203) من قانون الجرائم والعقوبات إلا أن هناك عدة أوجه قصور تشريعي وعملي في نص المادة، من أبرزها:
ـ إن المشرّع اليمني لم يجرم فعل التسول بذاته بل جرم الاعتياد على التسول، بمعنى أن التسول بحد ذاته لا يُعدُّ جريمة وإنما اعتياده، وهذا قصور تشريعي جسيم.

ـ وجود قصور في النص القانوني، وذلك من حيث عدم وضع تعريف منضبط للتسول، وبيان عناصر الركن المادي للجريمة، والأفعال المكونة لها.


ـ العقوبات غير رادعة وغير مناسبة، فالحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر قد لا تكون رادعة، كما أنها لا تقدم حلًّا مستدامًا.


ـ عدم النص على عقوبات خاصة لمن يستغل الأطفال أو المعاقين في التسول بشكل تفصيلي، بوصفها من جرائم الإتجار بالبشر.


ـ عدم وجود تعريف واضح ومنضبط لجريمة التسول، وبيان عناصر الركن المادي فيها.


ـ غياب معالجة الأسباب الجذرية للتسول حيث إن القانون يعالج النتيجة (التسول) دون أن يعالج الأسباب المؤدية لارتكاب الجريمة (الفقر، البطالة، النزوح، انعدام الحماية الاجتماعية).


ـ ضعف آليات التنفيذ والتطبيق، وضعف التنسيق بين الجهات الأمنية والاجتماعية، وغياب الدور الفعال لدور الرعاية الاجتماعية في إعادة تأهيل المتسولين.

وبناءً على ما سبق، يمكن تقديم عدد من التوصيات لتعديل القانون بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحد من الظاهرة:
1) التمييز بين أنواع المتسولين، وذلك بالنص صراحة على معاملة خاصة لمن يتسول بسبب الحاجة أو العجز الحقيقي، بإحالته للجهات الاجتماعية بدلًا من العقاب بحيث يكون هذا الإجراء واجبًا على المحكمة وليس من قبيل الجواز.
2) النص على عقوبة خاصة بالتسول من غير شرط الاعتياد كفعل مجرم في حد ذاته.
3) تشديد العقوبات على المتسولين المحترفين، وتغليظ العقوبة على من يثبت أنه يستخدم الأطفال أو المعاقين، بعدّ ذلك من جرائم الإتجار بالبشر.
3) تعديل القانون ليشمل إلزام الدولة بإنشاء مراكز متخصصة لتأهيل المتسولين، وتوفير التدريب والعمل لهم.
4) تحسين التنسيق بين الجهات المعنية، وذلك من خلال النص قانونًا على وجوب التنسيق بين الشرطة والنيابة والوزارات الاجتماعية؛ لضمان التنفيذ الفعَّال للقانون.
5) مراجعة صياغة المادة (203) وتعديل اللغة القانونية للمادة؛ لجعلها أكثر وضوحًا وتحديدًا.

وأخيرًا فإن جريمة التسول في اليمن لم تعد مسألة قانونية فحسب، بل هي قضية إنسانية واجتماعية واقتصادية تتطلب معالجة شاملة ومتوازنة.. ورغم وجود نص قانوني يعاقب على التسول، إلا أن القصور في التشريع والتنفيذ يحول دون الحد من هذه الظاهرة، وبالتالي فإن إصلاح القانون يجب أن يكون جزءًا من سياسة اجتماعية متكاملة تهدف إلى مكافحة الفقر، توفير الحماية، وضمان الكرامة الإنسانية للجميع.


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد