ضمانات المتهم وحقوقه أثناء المحاكمة (2-2)


القاضي/ المنتصر بالله وهيب

مقدمة
تطرقنا في الجزء الأول إلى بعض ضمانات وحقوق المتهم أثناء المحاكمة، وسنتطرق في هذا الجزء إلى باقي الضمانات والحقوق التي تكفل للمتهم محاكمة عادلة منها.

ثامنًا/ مناقشة اعتراف المتهم:
تُعدُّ اعترافات المتهم من الأدلة المهمة في نظام العدالة الجنائية، حيث تلعب دورًا محوريًا في تحديد مصير القضايا الجنائية، ومع ذلك يتطلب التعامل مع اعترافات المتهمين بدقة وموضوعية، ومما يجدر الإشارة إليه أن للاعتراف أهمية من حيث إنه يُعدُّ دليلا قويًا ضد المتهم، ويعزز من موقف الادعاء، كما أنه يعمل على تسريع المحاكمة، ويعمل على تخفيف العقوبة في بعض الأنظمة، ولصحة الاعتراف لا بد من توافر شروط فيه، وهي أن يكون صادرًا من إرادة حرة دون ضغط أو إكراه، كما يجب إعلام المتهم أن له الحق في الاستعانة بمحام لاسيما في الجرائم الجسيمة، ويجب تدوين اعترافه بعبارات أقرب للفهم، فمناقشة اعتراف المتهم من قبل المحكمة مرحلة حساسة؛ لأنه يجب على القاضي أن يحلل الظروف المحيطة بالاعتراف، هل هناك ضغط من أي جهة أو شخص؟، وهل اعترف من أجل يبرئ شخصًا آخر؟، وأن يحلل الظروف النفسية والجسدية التي يعاني منها المتهم أثناء الاعتراف، وأيضًا يجب على القاضي أن يتحقق من مدى صحة الاعتراف كأن يقارن الاعتراف بالأدلة الأخرى المتاحة، وأن يبحث عن تناقضات أو نقاط ضعف في الاعتراف، كما أنه يمكن استجواب الشهود الذين كانوا موجودين أثناء الاعتراف للتحقق من سلوك المحققين وكيفية طريقة الاستجواب، ولممثل الدفاع عن المتهم دور في تقديم الحجج والأدلة للتشكيك في صحة الاعتراف، تطرّق المشرّع اليمني إلى مسألة مناقشه المتهم في اعترافه على أنها حق له وعليه، ويدل على ذلك ما جاء في قانون الإجراءات الجزائية اليمني م(352) يسأل القاضي المتهمَ عن التهمة الموجهة إليه ما إذا كان مقرًّا بالجرم الموجه إليه أم لا، فإذا أقرَّ بارتكاب الجريمة ناقشته المحكمة تفصيلا”، واطمأنت إلى أن إقراره صحيحًا سجل إقراره بكلمات تكون أقرب إلى الألفاظ التي استعملها في إقراره، ولها أن تكتفي بذلك في الحكم عليه، كما أن لها أن تتم التحقيق إذا رأت داعيًا لذلك، فإذا اعترف المتهم في أي وقت بالتهمة المنسوبة إليه فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلا وتناقشه فيها، فإذا اطمأنت إلى الاعتراف وأن الاعتراف صحيح ورأت أنه لا حاجة إلى أدلة أخرى فعليها أن تكتفي بذلك، وتفصل في القضية، وعليها أن تستكمل التحقيق إذا وجدت لذلك داعيًا، فإذا اطمأنت أن الاعتراف صحيح المعنى، ولا يشتمل الاعتراف على كذب وحيلة أو جهل من المعترف بحقيقة ما أعترف به، وذلك ما للاعتراف من خطورة لما يرتبه من حقوق والتزامات سواء كان الاعتراف صحيحًا أو غير صحيح، لذلك أعطى القانون للقاضي سلطة تقديرية للموازنة بين الاعتراف وملابسات القضية والمسؤول عن تقدير مدى قانونية وموثوقية الاعتراف، ولينظر هل استجمع هذا الاعتراف شروطه أم لا، ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المحيطة بالاعتراف.

تاسعًا/ حق المتهم في سؤال الشهود:
يُعدُّ سؤال الشهود من قبل المتهم من أهم الضمانات والحقوق أثناء المحاكمة، ولما كانت الشهادة من أدلة الإثبات الذي نصَّ عليه قانون الإجراءات الجزائية، ويعتمد عليه القضاة في تسبيبهم كان لابد أن تولي من الأهمية والعناية ما تستحق، ولذلك نجد أن قانون الإجراءات الجزائية ووفقا لنص م(354) تستمع المحكمة إلى شهود الإثبات، ويسأل القاضي الشاهد عند انتهائه من أداء الشهادة هل المتهم الحاضر هو المقصود بشهادته؟ ثم يسأل المتهم هل له اعتراض عليها؟ ثم يكون توجيه الأسئلة للشهود من النيابة أولا ثم المدعي الشخصي فالمدعي المدني ثم من المتهم ثم من المسؤول عن الحقوق المدنية. لأنه قبل أو بعد إدلاء الشاهد بشهادته يستطيع المتهم التجريح بالشاهد إذا ما توافر فيه شرط من شروط التجريح كأن تكون له صلة قرابة أو منفعة أو عداوة أو صهارة لأحد طرفي الدعوى الجزائية أو يشتهر بالفسوق والفجور أو يكون صدر ضده أي حكم مخل بالشرف والأمانة. حيث لوحظ أثناء المحاكمة وفي جلسات الاستماع لشهود الإثبات أن القاضي عند سؤال الشاهد ما مضمون شهادتك يدلي الشاهد شهادته بحضور المتهم، بعد الإفراغ من شهادته يأمر القاضي الشاهد بالانصراف دون سؤال القاضي للمتهم عن مضمون الشهادة وهل له اعتراض عليها، وهل لديه أسئلة يريد توجيهها للشاهد بخصوص التهمة بالمنسوبة إليه، فإغفال ذلك يؤدي للبطلان المتعلق بالنظام العام كونه يخل بالمبادئ الحاكمة في إجراءات التقاضي، وذلك بمبدأ حق المتهم في الدفاع عن نفسه ومبدأ المواجهة سواء لقرار الاتهام وأدلة الإثبات. ولما كان لمواجهة المتهم بشهادة الشهود أهمية كبيرة في المحاكمة سمح القانون للمتهم أن يعيد سؤال الشاهد وذلك للنص المبين أدناه، كما يجوز للمحكمة أن تسمح للمتهم بإعادة سؤال الشاهد وذلك لتوضيح أي وقائع جديدة أوردها في شهادته أو عند مناقشته، ووفقا لنص م(355ف1) للمحكمة أن تقرر تلاوة الشهادة التي أبديت في التحقيق أو في محضر جمع الاستدلالات أو أمام الخبير إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو ممثل الدفاع ذلك، كما نصت م(356) يجوز لأي من الخصوم أن يطلب إخراج من يريد من الشهود من قاعة الجلسة أثناء سماع شاهد آخر أو إدخال واحد أو أكثر ممن أخرجوا لاستعادة شهادته على حدة بحضور بعضهم، كما نصت م(358) إذا ما تم الادعاء على أحد الشهود بالشهادة الكاذبة يجوز للنيابة العامة وللمدعي بالحق الشخصي وللمتهم إذا كانت الشهادة مؤثرة في الدعوى أن يطلبوا إرجاء النظر في الدعوى إلى أن يحكم في صحة الشهادة أو كذبها وللمحكمة أن تقرر ذلك من تلقاء نفسها. كما نصَّت م(359) يجب على المحكمة أثناء الدعوى أن تعرض على المتهم الأشياء المضبوطة المتعلقة بالجريمة وتسأله هل الأشياء المضبوطة تعود لك أم لا، وما سبب حيازتك لها؟ وتفرز له الأشياء المضبوطة، فإذا ما تم اتهام الشخص بناء على هذه المضبوطات ولم يتم إحضارها أمام القاضي لمواجهة المتهم بذلك، على القاضي أن يحكم ببراءته.. ونص م(266) تأمر المحكمة بإحضار الأشياء المضبوطة إلى قاعة المحكمة كاملا إذا أمكن ذلك ويمكن للمتهم وباقي الخصوم من رؤيتها وإبداء ملاحظاتهم عليها في جلسة المحاكمة ،كما أنه من الضمانات أنه لا يجوز للمحكمة أن تستجوب المتهم إلا إذا قبل ذلك وفقًا لنص م(360)، كما له الحق في المطالبة بتعديل الوصف القانوني للاتهام إذا بني الطلب على أسباب وأسانيد صحيحة وجب على المحكمة أن تفصل في هذا الطلب بعد سماع رد النيابة العامة، كما لو تم اتهامه بارتكابه بجريمة قتل عمد أن يطالب بتعديلها قتل خطأ أو أن يتم اتهامه بارتكاب سرقة بإكراه يطالب تعديلها سرقة دون إكراه وهكذا، وذلك وفقًا لنص م (362) كما أنه من الضمانات حق المتهم في الامتناع عن الكلام أو رفض الإجابة عن الأسئلة التي وجهت له أو أجاب عن الأسئلة بطريقة مغلوطة، ولا يعد ذلك على أنه متهم ويستحق العقاب وإنما يعد منكرًا للتهمة وعلى النيابة العامة أن تثبت أدلة إدانته، وذلك وفقًا لنص م (363). كما أنه يجوز للمتهم حتى قبل قفل باب المرافعة أن يطلب من المحكمة سماع أي شاهد يريد سماعه وللمحكمة أن تستجيب إذا لم يكن طلبه فيه من المماطلة والكيد وعدم الفائدة وفقًا لنص م(333). يجوز للمتهم أن يناقش الخبير وتقريره وأن يطعن به وله أن يقدم تقريرًا من أحد الخبراء عن طريقه وذلك وفقًا لنص م(334)، وإذا كان المتهم أو أحد الشهود غير ملم باللغة العربية فللمحكمة أن تستعين بمترجم وفقًا لنص م(335). إذا كان المتهم أو الشاهد أبكم أو أصم ولا يعرف الكتابة عين القاضي للترجمة بينه وبين المحكمة من اعتاد مخاطبة أمثاله بالإشارة أو الوسائل الفنية الأخرى وفقًا لنص م(337)، كم أنه من الضمانات إذا كان الأبكم أو الأصم من الشهود أو من المتهمين يعرف الكتابة فيدون كاتب الجلسة الأسئلة والملاحظات ويسلمها إليه فيجيب عليها كتابة، ويتولى الكاتب جميع ذلك في الجلسة وفقا لنص م(338). ما يتعلق بحق المتهم بسؤال الشهود ومناقشتهم حيث قد يأتي أحيانًا من يدلي بشهادة كاذبة وهو كاذب طالبا بذلك نصرت أحد الخصوم على الآخر، وكثير من هؤلاء الكذبة حين يتم التدقيق في شهادتهم وسؤالهم عنها ينجلي هذا الكذب أو قد لا يكون الشاهد أحاط علما بالواقعة فيشهد على شيء لم يدركه ظانًا أنه على حق في ذلك، والأصل أن يقوم القاضي بنفسه بسؤال الشهود ومناقشتهم فيما شهدوا به حيث إنه المخول الأول بإدارة الجلسة، فالمشرع اليمني أجاز للمشهود عليه يدون أسئلته للشاهد ويكون توجيهها عن طريق القاضي، فيطلب المشهود عليه من القاضي أن يوجه سؤالا للشاهد قد يكون سببًا لبيان صدقه أو كذبه، ويمكن القول بأن سؤال المتهم للشهود فيه فوائد عديدة أن المتهم غالبًا ما يكون هو أقرب من القاضي للواقع وملابساتها، فحين يشهد الشاهد بشيء قد يعرف المتهم من تفاصيل القضية ما يكون سببًا لكشف شهادة الشاهد، ولأنه قد يغيب على القاضي بعض الأسئلة ذات الأهمية الكبيرة التي تكون سببًا لبيان حال الشهادة حيث إن القاضي يسهو ويذهل، وقد يكثر عليه العمل مما قد يفوت عليه تفاصيل الأسئلة أما المتهم فقد وظف ذهنه لقضيته ودرسها الدراسة الكاملة الشاملة وباشرها وحفظ أدلتها وبيناتها، ولأن مشاركة المتهم في سؤال الشهود، يكون فيه طمأنينة لنفسه وراحة لباله في كون القاضي يريد الحكم بالحق ولم يرد الحيف أو الميل أو إنهاء القضية بأسرع وقت دون التأمل فيها فالأسئلة التي توجه للشهود يجب أن تكون مفيدة ومتصلة بالدعوى وتساعد على الفصل فيها، والقاضي له سلطة تقديرية في ذلك كما له أن يمنع الأسئلة المخلة بالآداب العامة إلا إذا كانت منصبة بالوقائع ومتصلة بالدعوى.


عاشرًا/ حق المتهم في اعطائه الوقت الكافي للدفاع عن نفسه:
يعد إعطاء المتهم الوقت الكافي للدفاع عن نفسه من الحقوق الجوهرية في مرحلة المحاكمة حيث انه يعطيه المدة لمناسبه من الوقت لإعداد دفاعه وإحضار أدلته نصت م(312) أ.ج ….. فإذا حضر المتهم وطلب إعطاء ميعاد آخر ليحضر دفاعه تأذن له المحكمة بالميعاد المقرر في الفقرة الأولى. كما نصت م(324) يتساوى جميع أطراف القضية في الحقوق والواجبات بما فيهم المتهم .. ولهم الحق في تقديم الأدلة ومناقشتها وفحصها عن طريق الخبراء بعد موافقة المحكمة) كما نص م(325)… وعلى المحكمة أن تنبه الأطراف الى حقهم في تقديم طلباتهم فإذا قدم الطلب متأخرا، جاز للمحكمة رفع الجلسة مؤقتا لتمكين كافة الأطراف من إعداد دفوعهم)، كما نصت م(366) للمحكمة أن تعدل في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند الى المتهم.. وعلى المحكمة في جميع الأحوال أن تنبه المتهم إلى هذا التعديل وان تمنحه أجلا لتحضير دفاعه بناء على هذا الوصف والتعديل الجديد، كما نصت م(400) حضور الخصوم بنفسه أو بوكيل عنه بناء على ورقة تكليف بالحضور باطلة يصحح هذا البطلان الواقع في تكليف الحضور وله أن يطلب أجلا لتحضير دفاعه ويتعين على الآمر بالحضور إجابته إلى ذلك) فيجب في هذه الحالة إعطاء المتهم الوقت الكافي لتحضير أدلته من أوراق ومستندات تفيد في الفصل في الدعوى كما يجب إعطائه وقتا كافيا لإحضار شهوده، وكذلك في حال تم عزل المحامي أو اعتزاله فلا بد من أعطاه مدة زمنية لتوكيل محامي آخر، فطول المدة أو قصرها يرجع للسلطة التقديرية للقاضي، وحتى لا يجدها المتهم فرصة للمماطلة والتأخير في تحضير نفسه للدعوى الجزائية المقدمة ضده، فاذا تم اتهامه بجريمة ما ورفع بموجبه قرار الاتهام ضده ومن ثم تم تعديل التهمة بناء على طلب أطراف الدعوى الجزائية أو من المحكمة من تلقاء نفسها ،يجب تنبيه المتهم بذلك ليحضر دفاعه ودفوعه بموجب التهمة الجديدة.


الحادية عشر/ المتهم آخر من يتكلم:
قد يقول قائل لماذا المتهم آخر من يتكلم وآخر من يسأل الشاهد وأن ذلك يمثل انتقاصا له، فهذا القول غير صحيح والعلة من ذلك كي تتاح له الفرصة للتحدث في النهاية للرد على جميع الأدلة والشهادات المقدمة ضده وهذا يعزز من مبدأ المحاكمة العادلة وذلك بموجب نص م(354)(364)(427).

إن حق المتهم في أن يكون آخر من يتكلم من الضمانات التي تقع لصالح المتهم يتعلق بكونه آخر المتكلمين في جلسات المحاكمة فبعد أن يتم رفع الدعوى إلى القاضي ويحضر المتهم تبدأ إجراءات المحاكمة مواجهته بالتهمة المسندة إليه وما تعلق بها من أدلة سواء أدلة قولية أم كتابية وقرائن وغيره من الأدلة الجائزة قانونًا، يأتي دور المتهم ليدافع عن نفسه بنفسه أو بواسطة محاميه أو وكيله ليدحضوا كل ما قدمه المجني عليه أو الشهود أو الخبراء، ويكون هو آخر من يتكلم هذا الإجراء له فوائده أن في إعطاء المتهم الفرصة الأخيرة ليدفع عن الاتهامات نفسها الموجهة إليه وما قامت ضده من أدلة وأيضًا في ذلك من الفوائد أنه يسهل على القاضي النظر في القضية والبث فيها بحكم عادل حيث إنه يستجمع أقوال المتهم وردوده وما قدم ضده ابتداء ويعمل موازنة بذلك ثم إصدار الحكم.

*عضو نيابة صيرة الابتدائية م/عدن


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد