العدالة الناجزة


القاضي رأفت باشامخة

تعتبر العدالة قاعدة اجتماعية أساسية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض، فالعدالة محور أساسي في الأخلاق وفي الحقوق وفي الفلسفة الاجتماعية… فالعدالة سبب تعايش الأفراد في مجتمع واحد وهي حق يتمتع به الفقير والثري على حد سواء. 

فهي شعور كامن في أعماق النفس ويكشف عنه العقل السليم، ويوصي به الضمير المستنير لإعطاء كل ذي حق حقه وبمعنى أدق هي عدم الانحياز ، وتهدف إلى الإنصاف والتوازن وعدم التعدي وحماية المصالح الفردية والعامة… لهذا تعد أهم الركائز في أي مجتمع، وحقاً من الحقوق الأساسية التي ينبغي توافرها لجميع المواطنين، ويجب أن يكون الوصول إلى العدالة أمراً سهلا وميسراً وناجزاً، وكما قيل: “أن العدالة البطيئة ظلم ” إلا أن أكثر ما يعانيه المتقاضون في وقتنا الحاضر هو بطئ إجراءات نظر القضايا فالمحاكمات قد تستمر لسنوات مما تستهلك معه الكثير من المال والموارد، وقد تكون سببا لوقوع المزيد من الضرر، وبالتالي يحدث تأخير الحصول على العدالة .

 وذلك يعود لأسباب جمة أهمها: كثرة ملفات القضايا الواردة إلى المحاكم وقلة القضاة المعينين فيها، وكذا الاعتماد على النظام اليدوي في التدوين والتحصيل والأرشفة والإعلانات، وعدم رفد المحاكم بموظفين مؤهلين إضافة إلى ندرة الدورات التدريبية والتأهيلية لهم، وعدم توفير طاقة كهربائية بديلة لمقرات المحاكم.. وغير ذلك من الأسباب .

ومن أهم المعالجات للوصول إلى عدالة ناجزة ويأتي في مقدمتها إعادة النظر في وضع القاضي المعيشي وكفايته مادياً ، ثم زيادة عدد القضاة المعينين في المحاكم ذات الاختصاص المكاني الواسع وبحسب الوارد لديها، إضافة إلى تأهيل قضاة المحاكم وموظفيها وتثقيفهم وكثرة الدورات وورش العمل حول سرعة إنجاز القضايا، وتفعيل نظام القضاء المستعجل لتتحقق الغاية منه، وكذا التحول إلى النظام الإلكتروني، وتحديث القوانين فيما يتعلق باعتماد الإعلان الإلكتروني والموطن الرقمي، إضافة إلى تأهيل مقرات المحاكم وتوفير احتياجاتها من قرطاسية و أجهزة حاسوب وآلات تصوير وطاقة بديلة، وكذا تفعيل دورات التفتيش على أداء المحاكم وقضاتها وموظفيها.

وختاماً انصح نفسي وزملائي القضاة إنكم اليوم تقفون قضاة وغداً ستقفون خصماً بين يدي قاض عدل لا يخطئ في حكمه ولا يعذرك من الخطأ في حكمك،  وأنه بقدر مدة انتظار الخصوم لحكمك اليوم سيطول انتظارك لحكم الله فيك غداً وما أصعب الانتظار يوم القيامة، فتذكر ذلك جيدا و أبذل جهدك كله على ألا يطول انتظارك، ولا يحيف قرارك.

*رئيس محكمة الديس الشرقية


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد