القاضي الدكتور عثمان موسى معنقر
يقوم النظام العقابي في الإسلام على مبدأ القصاص استنادا الى قوله تعالى}: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ صدق الله العظيم، ومعنى القصاص هو: التساوي بين الجرم والعقوبة وتلك غاية تحاول جميع النظم القانونية الوضعية الوصول إليها، ذلك لأنه نظام يقوم على الرحمة، والعدل اللذان هما صنوان متلازمان فأحدهما نتيجة للأخر وثمرة من ثمراته، و كلاهما يهدفان إلى حفظ الكليات الخمسة التي هي أساس الحياة، وسر كينونتها ودوامها وهي: (حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال) لذلك فإن النظام العقابي في الإسلام يقوم على أساس أن العقوبات إنما وجدت للمحافظة على هذه الضروريات والمصالح الانسانية الخمسة، وبذلك تشترك الشريعة الاسلامية مع بقية النظم القانونية قديمها وحديثها في الحفاظ على هذه الكليات الخمسة، وصيانتها.
لم یضع المشرع الیمني تعریفاً معیناً لعقوبة الإعدام سواء في قانون الجرائم والعقوبات أو الإجراءات الجزائية بينما أرجع قانون الإجراءات الجزائية ما لم يرد فيه نص إلى الشریعة الإسلامية وفقاً لنص المادة (564): “يرجع في كل ما لم يرد فيه نص في هذا القانون إلى أحكام قانون المرافعات و قانون الإثبات الشرعي والقواعد العامة الشرعية”، وهنا يمكن تعريف الإعدام من منظور الشريعة الإسلامية بأنه: إزهاق روح المحكوم عليه جزاء محظور معاقب عليه بالقتل أو الإعدام قصاصاً.
أما المعنى الاصطلاحي له هو (أن يعاقب المجرم بمثل فعله فيقتل كما قتل ويجرح كما جرح) وهو عقوبة مقدرة ثبت أصلها بالكتاب، وثبت تفصيلها بالسنة، وهو المساواة بين الجريمة والعقوبة، فیما أشار قانون الإجراءات الجزائية الكتاب الخامس الباب الثاني المواد: (477ــ 493) تضمنت كیفیة تنفیذ عقوبات الإعدام حداً وقصاصاً بالنفس وما دونها، ففي نص المادة ” 485 ” بین القانون أن ھناك ثلاثة أنواع لتنفیذ عقوبة الإعدام بقوله: تنفذ عقوبة الإعدام بقطع رقبة المحكوم علیه بالسیف، أو رمیاً بالرصاص حتى الموت دون تمثیل أو تعذیب، وفي الواقع العملي للمحاكم اليمنية مؤخراً أقتصر تنفيذ عقوبة الإعدام رمياً بالرصاص دون قطع الرقبة، ويرى البعض سبب ذلك في عدم وجود من يجيد التنفيذ بتلك الآلية ولغيرها من الأسباب مثل أن الموت بالرصاص أفضل من فصل الرأس عن الجسد ونحو ذلك، ومن الناحية الشرعية والقانونية في القانون اليمني لا يوجد مانع قانوني أو شرعي من تنفيذها بتلك الآلية ـ قطع الرقبة بالسيف ـ كون القانون منح القاضي الحكم بأي طريقة منهما، وإذا تضمن منطوق الحكم كما هو وارد في بعض الأحكام الصادرة بهذا الشأن ما يفيد التخيير بين الطريقتين، كان للآمر بالتنفيذ اختيار إحدى الطريقتين، ولعل الأصوب والملائم لقاضي الموضوع أن يحدد في منطوق الحكم طريقة واحدة للتنفيذ وهي رمياً بالرصاص حتى الموت، ومن المؤسف جداً أنه تم مؤخراً تنفيذ عدد من الأحكام التي قضت بالإعدام لعدد من المحكوم عليهم في بعض من المحافظات المحررة شابها بعض الأخطاء غير المتعمدة، وتم تصوير التنفيذ بالفيديوهات، وقد لاحظ الكثير منا عند المشاهدة لها عدة أخطاء رافقت التنفيذ من القائمين عليه، مثل عدم الفصل بين التنفيذ بحق محكوم عليه بالإعدام وآخر، وفي ذلك ما يخالف تعاليم الإسلام الحنيف بخصوص أمره لنا بالإحسان في كل شيء حتى في القتل، لقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته”، ثم إن الإحسان بالذبح مطلوب للحيوان، ففي حق الإنسان من باب أولى، وكذلك شاهدنا عدم كفاءة بعض القائمين بالتنفيذ، تمثل ذلك في عدم قيام المنفذ بتوجيه السلاح للمكان المحدد من قبل الطبيب الشرعي ومن مسافة قريبة فوق العلامة المرسومة على قلب المتهم، وعدم السرعة في إطلاق الرصاص في المكان المحدد بشكل متوالي من أجل سرعة حصول الموت، وإنما التأخر في ضرب الرصاص ـ بدون تعمد غالباً وإنما لقلة الخبرة ـ مما يجعل المنفذ ضده يعاني كثيراً قبل حصول الموت، مما يتعين تلافي مثل تلك الأخطاء لاحقاً من خلال اختيار وتدريب الأشخاص القائمين بالتنفيذ قبل ذلك، ومراجعة التعليمات معهم قبل التنفيذ، والتأكد من سلامة آلة التنفيذ…الخ.
وخلاصة ذلك يجب أن يتولى تنفيذ القصاص جندي ماهر متدرب على ذلك تحت اشراف الطبيب الشرعي الذي يحدد الموضع الذي يجب أن يطلق عليه الرصاص، وأن يتحقق الطبيب الشرعي بعد التنفيذ من حصول الوفاة قبل تسليم الجثة للدفن يجب تنفيذ حكم القصاص بإزهاق روح المنفذ ضده، ولا يتم إلا بموته، ولا يجوز تنفيذ الإعدام بطريقة ما يسمى الموت الرحيم بأكثر من وسيلة مثل الصعق الكهربائي أو ضرب ثلاث إبر تحدث الوفاة بعد إدخال المنفذ ضده في غيبوبة وغير ذلك من الطرق كون المشرع اليمني حصر تنفيذ الإعدام بالطريقتين قطع العنق بالسيف أو رميه بالرصاص حتى الموت.
رئيس محكمة الخوخة الابتدائية م/ الحديدة
اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
لا تعليق