القاضي الدكتورة نرجس أحمد
تتناول هذه الدراسة كيفية تنظيم العلاقة بين المؤجر (مالك العين المؤجرة) والمستأجر (المنتفع بالعين المؤجرة)، وفقًا لتقنين المشرّع اليمني قانون تنظيم هذا النطاق الصادر برقم 22 لعام 2006م، وبعض القوانين العربية المقارنة والمستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وما استجدت من تطورات العصر التقني والصعوبات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية، ومدى تأثيرها على تنظيم هذه العلاقة القانونية.
من المتعارف عليه أن الظواهر التي تطفوا على سطح الواقع هي ليست إلا نتيجة لمشكلة، مثل: ظاهرة عدم الإنضباط بالدوام، أو العزوف عن تعليم الفتيات، أو تعاطي المخدرات بين أوساط المراهقين والشباب أو غيرها، وتحتاج هذه المسائل إلى التحليل الواقعي وحلول ومقترحات عملية وجذرية تسهم بالحد منها تدريجيًا للقضاء عليها مستقبلًا.
وفي هذا المقام تأتي ظاهرة ارتفاع أجرة الأماكن المخصصة للإيجار سواء للسكن أو للمحلات أو المنشآت المخصصة للنشاط الحرفي أو المهني كالورش والمعارض أو حتى الترفيهية، بالمقابل حاجة الناس إلى السكن هي أقصى وأصعب في رأينا عن باقي المنافع؛ لأنها ترتبط باستقرار حياتهم المعيشية غير المتكافئة مع ارتفاع إيجار السكن، وتؤثر مباشرة عليهم وعلى الأمن والنظام والسكينة المجتمعية، ومن يتولون زمام أمور الدولة؛ لأن توفير المسكن الملائم حق دستوري لكل مواطن ومقيم في اليمن، ولا يعني أن باقي صور عقود الإيجارات غير مهمة بل هي أكثر دقة وخطورة؛ لأنها تنخر في بنيان اقتصاد الدولة ونموه في ظل استمرارية ارتفاع الإيجارات وعدم ضبطها قانونًا، سيؤدي إلى جملة من الكوارث الاقتصادية أخطرها هروب المستثمرين وضعف الصناعات والحرف واللجوء إلى أماكن ودول آمنة، وفي الأخير زيادة طوابير البطالة والعمالة غير المؤهلة بسبب عدم توافر وظائف إلى غير ذلك من المشاكل، كما تأتي هذه الدراسة في خضم التأثيرات الاقتصادية العالمية والإقليمية والتضخم الاقتصادي مع الحرب والتوتر المصطنع أحيانًا، وإثارة النزاعات الطائفية وأخرى السياسية وما تسسبت به الجماعات الحوثية في أثناء اجتياح المناطق الجنوبية من أزمات، وهدم العديد من مساكن المواطنين وتصدعها وانهيارها وعدم صلاحياتها؛ لتكون مأوى للسكن فيها، وتحويل المواطن من مالك مسكن أو مخزن متواضع إلى أجير يبحث عن استقرار، وكذا المرافق الحكومية والخدماتية لبعض الملاك التي حتى اللحظة لم تتعافَ منها أهل الجنوب، ومن دواعي الدراسة الحاجة الملحة إلى تنظيم أكثر ملائمة مع متطلبات العصر التقني والاعتماد على الأنترنت في إبرام أغلب التعاقدات، ومن بينها عقود الإيجار رغم ذيوعها بشكل ملحوظ وصعوبة المشاكل القانونية التي تثيرها.
كما تهدف هذا الدراسة إلى محاولة وضع رؤية مستقبلية لتنظيم العلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر خاصة مع وجود قوانين لاحقة ترتبط بهذا القانون، ومنها قانون رقم 23 لعام 2009م بشأن تملك غير اليمنين للعقارات والأراضي في اليمن، من تمنح الحق لغير اليمني أن يتصرف تصرف المالك، ومنها حق التصرُّف من بينها الإيجار والاستغلال، وكل حقوق الملكية، وقانون الاستثمار رقم 22 لعام 2002م الذي يكفل للمستثمرين العرب والأجانب حرية الاستثمار وممارسة التجارة بداخل اليمن دون الحاجة لممثلين أو وكلاء يمنيين.
كما تسعى هذا الدراسة إلى الحد من ظاهرة المنازعات العالقة بصورة ملحوظة في المحاكم التجارية والمدنية خصوصًا دعاوي إخلاء العين المؤجرة وإخراج المستأجر قبل انتهاء مدة العقد أو تعنت ورفض المستأجر من إخلاء العين وتسليمها للمالك أو الأضرار بالعين، مما قد ينتج عنه وقوع جرائم وحوادث لا يحمد عقباها.
خطوات البحث:
أولًا: مفهوم عقد الإيجار وأطرافه وأنواعه
ثانيًا: شروط العقد
ثالثًا: التزامات المؤجر والمستأجر
رابعًا: انتهاء عقد الإيجار
خامسًا الاستنتاجات والمقترحات
أولًا مفهوم عقد الإيجار فقهًا وقانونًا :-
يستلزم في هذا البحث أن نعرف ما معنى الإيجار، وهل هذا التنظيم قد جاء منذ فترة طويلة، وهل هو مجاز شرعًا؟.
عرفت الإجارة في أحكام الشرع، وهي مشتقة من كلمة الأجر والعوض، والإجارة مشروعة في القرآن، فقد جاء في سورة القصص الآية 26 (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)، وفي السنة النبوية ما روي عن البخاري ومسلم عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه احتجم واعطى الحجام أجره، وأجمع الفقهاء على مشروعيتها، ولا عبرة فيمن خالف التعريف.
يتعلق تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر وفقًا لقانون الإيجار اليمني، كما عرفته المادة 9 من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر الصادر في 2006 بأنه هو عقد يلتزم بمقتضاه المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بعين مؤجرة لمدة زمنية معينة نظير إيجار معلوم أو منفعة مشروعة متفق عليها، ويسمى في بعض القوانين، مثل قانون المملكة المغربية رقم 12’67 استخدمت مصطلح الكرائية، وسمي بقانون تنظيم العلاقة بين المكري والمكتري، وعرفه بأنه عقد بموجبه يلتزم المكتري وجوبًا أن يدفع مبلغ وجوبية الكرائية، بالمقابل يلتزم المكري بتسليم المحل والمرافق التابع له والتجهيزات المذكورة في. عقد الكرى.
ومن البين أن الاختلاف في المصطلح لا يؤثر على جوهر ومعنى وغايات العقد فكليهما ينصب في بوتقة واحدة، ولا ضير من تعدد المصطلحات.
أطراف عقد الإيجار وفقا للقانون:
الطرف الأول: المؤجر، وهو شخص اعتباري أو معنوي مالك العين المؤجرة وتتوافر فيه صفة الأهلية الكاملة، فهو من يملك الصلاحية القانونية كمنح من ينوب عنه توكيل رسمي معد وموثق أمام قلم التوثيق في دائرة اختصاص العقار، ويتمتع الوكيل أو النائب بحق إبرام العقد في حدود الصلاحيات الممنوحة له من قبل المالك المؤجر ولا يجوز له التعدي عند إبرام العقد، ولا يجوز لمن يتولى الإشراف وإدارة العين المؤجرة ومتابعة المستأجرين للحفاظ على العين وتسديد فواتير الكهرباء والماء وصيانة العقار أن يتجاوز صلاحيته المتفق عليها بإبرام عقد إيجار للمستأجرين، ولايحق له ذلك عملًا بنص المادة 27 من هذا القانون.
الطرف الثاني: المستأجر، أشارت إليه المادة 2 في ديباجة القانون بأنه هو المنتفع بالعين المؤجرة كليًا أو جزئيًا، وكان الأجدى أن يبين المقنن من هو المستأجر من الباطن، وتعريف التأجير من الباطن حيث يظل المستأجر الأصلي ضامنًا من المستأجر من الباطن انتفاعه بالعين المؤجرة، وتنفيذ التزاماته التعاقدية في العقد من الباطن.
ومن هنا نقترح إضافة طرف ثالث، وهو المستأجر من الباطن لتقرأ على النحو الآتي:
الطرف الثالث المستأجر من الباطن: هو الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي ينتفع بالعين بموجب عقد إيجار، وهو من تنتقل إليه الإجارة من المستأجر الأصلي بطرق قانونية سليمة، وهو الذي ينتفع بجزء من العقار أو بالعقار كامل، وبحسب العقد المبرم بينه وبين المستأجر الأصلي لقاء مدة محددة وأجر معلوم يدفعه المستأجر من الباطن للمستأجر الأصلي.
أنواع عقد الإيجار:- هناك نوعان من عقود التأجير نوجزها بالآتي:
النوع الأول: عقود إيجار منفعة عين: تقع الإجارة على منافع العين سواء منقولة كاستئجار وسيلة نقل على سبيل المثال السيارة أو عقارية. وهذا النمط الأول من الإيجار نظمه المشرّع اليمني في القانون الحالي محل الدراسة، وحددته المادة 3 تحديدًا نافيًا للجهالة، أو ما يتصل به المال غير المنقول كالأحواش ومداخل الجراجات ومساكن الحرس والعمال سواء أُجرت مفروشة أو غير مفروشة وسواء خصصت لأغراض السكن أو ممارسة نشاط تجاري أو حرفي معين.
النوع الآخر: عقود إيجار منفعة عمل أو أداء خدمة: هذا النمط من عقود الإيجار تقع على منفعة عمل أو أداء خدمة عمل الإنسان مثل عمل المهندس والعمل الخدمي في المنازل والشركات والمؤسسات بوصفهم أشخاصًا اعتباريين، وتكون المنفعة هي منفعة الشخص الذي يبذل جهده ويسمى بالمستأجر وبموجب عقد التأجير تبين للمستأجر ملك المنفعة أما المؤجر فهو الذي يؤجر المنفعة. وهنا الملاحظ أن المقنن اليمني لم ينظم عقود منفعة العمل واكتفى بتنظيم النوع الأول.
ثانيًا: شروط صحة عقد الإيجار:–
يتمتع عقد الإيجار بخصائص يقوم عليها العلاقة بين المؤجر والمستأجر، نوجزها بالآتي:-
الشرط الأول: الأهلية والتراضي:-
إن توافر التراضي والإرادة لدى الطرفين ومدى تطابقها بوجود الأهلية الكاملة لكل طرف يُعدُّ شرط لانعقاد عقد التأجير، وبه يتبين رغبة مالك العين بالاستفادة المادية من خلال تشغيل الثمار وجنيها، بالمقابل تتطابق إرادة المستأجر بكيفية الحصول والانتفاع بالعين بمبلغ إيجار محدود لا يساوي شيئًا للحصول عليها والانتفاع بالسكن فيه. في حين قد يكلفه مبالغ طائلة لا طاقة له بها إذا أصبح مالكًا للعين.
الشرط الثاني: تعيين أوصاف العين المؤجرة وتحديدها:
ويقصد به تعيين أوصاف ماهو مؤجر وتحديدها سواء مالًا ثابتًا أو منقولًا أو منفعة بصورة مانعة للجهالة، وفي هذا المقام أوجبت كافة التشريعات أحكام محددة على المباني المعدة للإيجار، ومن تلك المباني مايلي:-
حدد القانون اليمني تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، العقارات والمباني وأراضي المنشآت موضوع الإيجار على النحو الآتي:-
الشاليهات والدور وغيرها من المنشآت التي تُعدُّ للمصايف.
الدكاكين والمحلات والورش والمعارض والمخازن.
المصانع والشركات والبنوك والتوكيلات التجارية.
الأراضي الفضاء المؤجرة وفي إطار محدد، وهي بناء المستأجر في جزء من الأرض وبعد موافقة المالك كتابيًا على تأجيره، وألا تقل المساحة المبنية عن الحد الأدنى للمساحة التي تحددها اللائحة، وأن يكون البناء قد شيد بمواد بناء تعطي طابع الاستدامة.
ومن الملاحظ أن هذه الفقرة فيها من الغموض حيث تم إدراجها في أراضي الفضاء تعبيرًا لا يتوافق مع القانون، ولم يفصح المقنن من هو المالك، في حين قانون أراضي وعقارات الدولة الصادر في 1995م قد جاء واضحًا في مادتيه 6 و 10 أن الدولة هي مالكة الرغبة لكل أراضي الفضاء والمساحات ومافوقها وباطن الأرض وتنوب عنها الهيئة العامة للأراضي في الإشراف والتخطيط والبناء العمراني وتسجيلها.
ولذا يقترح حذفها (أي الفقرة و) في البند الأول من المادة الثالثة منه، والاكتفاء بما ورد في البند الثاني على النحو الآتي:-
كما تسري أحكام هذا القانون على الأماكن المؤجرة والمستأجرة من الحكومة أو الهيئات أو المؤسسات أو المصالح العامة أو وزارة الأوقاف أو المجالس المهنية، مع عدم الإخلال بالأحكام الواردة من قانون الأراضي وعقارات الدولة وقانون الأوقاف.
5- المدن والتجمعات السكنية وضواحي المدن وكل ما يقرره الوزير باقتراح المحافظ المختص اقتراحه مناطق سكنية، ويتولى هذه المسألة وزير الإنشاءات والأشغال العامة والطرقات.
الشرط الثالث:- الأجرة
وهي مبلغ من المال نقودًا أو منفعة أو أي غرض مشروع يتم الاتفاق عليه في العقد (المواد 16-17)، وفي حالة عدم الاتفاق يلزم المستأجر بدفعها للمؤجر فضلًا عما يترتب عليه من واجبات خلال استغلال العين المؤجرة.
ومما سلف يتبين أن المشرّع اليمني ترك مجال تقدير الأجرة بالاتفاق وتراضي الطرفين، وكان الأجدى أن يكلف الجهة الإشرافية، وهي وزارة الأشغال، بحسب ما جاء في المادة 2.
الشرط الرابع :- المدة الزمنية للعقد
اتّفق الفقهاء والقوانين الوضعية على أن عدم تحديد المدة الزمنية في عقد الإيجار يُعدُّ العقد باطلًا.
فيما يتعلق بهذا الشرط لانعقاد وصحة عقد التأجير، ألا وهو تحديد المدة الزمنية لسريان العقد وتحديد البدء بسريانه منذ تمكين المؤجر للمستأجر من استغلال العين والانتفاع بها.
حالات الاستثناء
أما عن حالات الاستثناء فهي المساكن الملحق بالمرافق والمنشآت والمصانع وغيرها من المساكن التي خصصها صاحب العمل لسكن العاملين في هذه المرافق أو المنشآت أو المصانع.
والمساكن العائد ملكيتها للدولة التي تشغل بصفة مؤقتة لمواجهة الكوارث وإيواء المتضررين، ومن البين أن المقنن أغفل جانبًا مهمًا فيما يتعلق عند تحديد الأماكن المستثناة وهي الأماكن المخصصة للآثار والمعالم التاريخية خاصة وأن اليمن مهد الحضارات، فهناك العديد من الأماكن التي بحاجة للتنقيب لتقديم دراسات علمية عن تاريخ وحضارات اليمن، ومن الواجب ألا تمس هذه المواقع بوصفها أماكنًا يمنع التعاقد على تأجيرها وبقوة القانون كونها تمس أمن الدولة وسيادتها.
كما أغفل المقنن عقود التأجير بين ملاك الأراضي الزراعية والمنتفعين المستأجرين لها أو من يطلق عليهم الشريك بنسبة معينة من ثمارها خاصة وأن اليمن من الدول الزراعية، ومهنة الزراعة يمارسها الغالبية العظمى من مواطنيها سواء بالعمل أو تعاقد المستأجرين مع ملاك الأراضي الزراعية.
تم بحمد الله وتوفيقه
*منتدب للتدريس في المعهد العالي للقضاء –عدن
*عضو الشعبة المدنية بمحكمة الاستئناف م أبين
اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


لا تعليق