الإفراج الوجوبي على المتهم المحبوس احتياطياً بقوة القانون


القاضي عبد العليم مهيوب المليكي

يقصد بالحبس الاحتياطي بأنه :سلب حرية المتهم بإيداعه أحدى المؤسسات العقابية خلال مرحلة التحقيق أو المحاكمة.

 وهو بذلك يعد أخطر الإجراءات المقيدة للحرية والمهدرة لقرينة البراءة المكرسة دستورياً. إذ أضحت قرينة البراءة كأهم مبدئ من  المبادئ الدستورية التي أقرتها جميع الدساتير أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، ومن هذا النص المتقدم ينبثق منه مبدأ قضائي آخر هو  أن الأصل في الإنسان البراءة ولا يتم إلغاء هذا الأصل إلا بأدلة دامغة وواضحة وثابته وأن المتهم  كذلك غير ملزم بإثبات براءته بل عليه أن يناقش الأدلة ليفندها دون أن يقع عليه التزام بتقديم أدلة إيجابية تفيد براءته. وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم.

وإذا كان ذلك هو الأصل فإن الإنسان لا يحبس إلا تنفيذا لحكم صادر عليه بالحبس، ولذلك يعد الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي نص عليه قانون الإجراءات الجزائية  يبرز من خلاله التناقض بين احترام حرية الفرد وسلطة الدولة في العقاب، إلا أن مصلحة التحقيق هي التي تدفع إليه كرقابة على المتهم وحفاظا على الأدلة ولذلك عمل المشرع على الحد منه، حيث حدد المشرع حالات الإفراج الوجوبي  في صلب الدستور وفي قانون الإجراءات الجزائية ونص عليها صراحة ويجب على القاضي الأمر  به بقوة القانون بدون الالتفات إلى جسامة الفعل أو  قوة الأدلة التي تنسب الفعل للمتهم ومن تلك الحالات التي حدد المشرع  فيها الإفراج الوجوبي، وهي:

١- في حالة عدم إصدار النيابة أمر بالحبس بحق المتهم المحال إليها من قِبل مأمور الضبط القضائي خلال أربعة و عشرين ساعة من إحالته إليها. المادة (48/ج) من الدستور: والمواد (76، 105) من قانون الإجراءات الجزائية.

٢-في الجرائم المعاقب عليها بالحبس أقل من ستة أشهر، المادة (184) من قانون الإجراءات الجزائية.

٣- في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف إلا إذا كانت من الجرائم التي تتضمن طعناً في الأغراض أو تحريضاً على إفساد الأخلاق. المادة (185) من قانون الإجراءات الجزائية.

٤- في الجرائم المعاقب عليها بالحبس سنة ما لم يكن المتهم قد سبق الحكم عليه في البلاد أكثر من سنة بدون وقف تنفيذ أو كان عائدا في ارتكاب الجريمة، المادة (195) من قانون الإجراءات الجزائية.

٥- في حالة التقرير بالأوجه لإقامة الدعوى الجزائية، المادة (218/2) من قانون الإجراءات الجزائية.

٦- إذا انقضت مدة الحبس ولم تجدد، المواد  (187، 189، 190) من قانون الإجراءات الجزائية.

٧- في حالة مضي ستة أشهر على الحبس، دون إعلانه بإحالته إلى المحكمة المختصة،  المادة (191) من قانون الإجراءات الجزائية.

٨- في حالة مضي  على حبس المتهم أثناء المحاكمة  أكثر من نصف الحد الأقصى    المقرر للعقوبة ولم يكن قد صدر حكم عليه وجب الإفراج عنه، المادة (205) من قانون الإجراءات الجزائية.

ولذلك يجب على القضاء الواقف والقضاء الجالس حماية الحريات إذ يجب على النيابة ألا تغض الطرف على انتهاك الحريات التي يمارسها  بعض مأموري الضبط القضائي اللذين دأبوا على الاستهانة بحريات الأفراد فيحبسون من يشاؤون ليس أربعة وعشرين ساعة المحددة في الدستور والقانون بل لا نبالغ أن قلنا أن البعض منهم يحبس أشهر ثم يحيل الملف للنيابة بعد ذلك ولو قامت النيابة بإحالة كل من يحجز حرية بدون مسوغ قانوني لمحكمة الاستئناف لتجريده من صفة الضبط القضائي كونه لم يعد جدير بها وإحالة من أعتاد على ذلك منهم للمحاكمة بجريمة حجز حرية بدون مسوغ قانوني لما حبس مواطن بدون أمر قضائي أكثر من أربعة وعشرين ساعة، وكذلك هو الحال فيما لو قام قضاة الحكم بالتقرير بالإفراج عن كل متهم أوجب القانون الإفراج عنه أو تبين لهم أنه أحيل للمحاكمة بعد انتهاء مدة حبسه، بل يجب على المحكمة أن تصدر شهادة وفاة صورية لذلك الحبس الذي وصل المحكمة ميتاً ولم يبق غير آثاره المادية المتمثلة في بقاء من يجب الإفراج عنه في الحبس، لذلك يجب على الجميع أن يجهز رداً لذلك السؤال –  ليس لماذا لم تصلح لها الطريق  ياعمر-  وإنما لماذا حجزت حرية بالمخالفة لقانون أقسمت على تطبيق أحكامه.  

                                                                                                                                                                                                                                                                                      *قاضي محكمة الأموال العامة م / عدن


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد