القاضي عمـــار عــلوي مسعود سالم
ظاهــــــــرة الفساد من أكثر الظواهر المنتشرة في المجتمعات البشـــــــــرية والملازمة للسلوك الإنساني على مر التاريخ، فرغــــــــم اختلاف وتغير أنظمة الحكم وتطور أنماط حياة البشرية غير أنها تطورت أشكال الفساد حسب التطورات الحاصلة بالمجتمعات والتي لا تزال منتشرة بشكل كبير وعلى مستويات ومجــــــالات متعددة خاصة في الأنظمة الاستبدادية وتعتبر من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات في وقتنا الحاضر واليمن تعتبر أحدى هذه الدول التي أنتشر بها الفساد ويرجع ذلك نتيجة الحرب وما سببته من أوضاع أقتصادية كارثية والسبب أنعدام الرقابة والمحاسبة وفق ألية محددة وشروط معينة مما أدى إلى توسع ظاهرة الفساد من المدعيين بمكافحة الفساد أنفسهم وانتشار هذه الظاهرة بشكل كبير في جميع مفاصل الدولة، والسبب الرئيسي الظروف المعيشية التي يعيشها المواطن في البلد والذي هو موظف بسيط مغلوب على أمره فقام بارتكاب العديد من المخالفات أثناء تأديته لمهام وظيفته، وهي بسيطة بالنسبة لمرؤوسيه والعكس وبما يقومون به، وأبرزها قيام الموظف بقبول أو طلب رشوة لتسهيل خدمة معينة أو إجراء خدمة لتاجر أو مسؤل لمناقصة عامة مقابل مبلغ مالي أو خدمة معينة، مما أدى إلى تفشي النتائج السلبية والآثار المدمرة فطالت كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وعدم إنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتنمية والتقدم على مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس، وانعكاسها المباشر على الشعب والدولة لان الإدارة الناجحة تتم بعملية تحقيق الأهداف المرسومة بالاستخدام الأمثل للموارد المتوفرة للدولة والتخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والرقابة على الموارد المادية والبشرية للوصول إلى أفضل النتائج بأقصر الطرق وأقل التكاليف المادية عند خلق شعور لدى الموظف الإداري بقيمة وأهمية العمل الذي يقوم به في مرفق عمله، واقترابه من رئيسه واعتزازه بالعمل معه فهو يخلص في عمله، ويقدم أحسن مايمكنه من الإنتاج سواء في خدمة الناس أو الزبائن أو تصنيع المنتج الذي يقوم بإنتاجه وتلك القيمة الشخصية تحفز العامل والموظف للقيام بأعماله على أحسن مستوى، غير عابئا بترقية أو علاوة مادية، شعوره الشخصي بالانتماء إلى مرفق عمله من أكبر الدوافع على رضاه النفسي واستقراره في العمل وكذلك توازنه العائلي فيبتعد عن الفساد.
إذاً فالفساد في اللّغة: نقيض الصّلاح، و خروج الشّيء عن الاعتدال، قليلاً كان الخروج أو كثيراً، يقال: فسد اللّحم: أنتن، وفسدت الأمور: اضطربت، وفسد العقد: بطل.. وفي الاصطلاح: عرّف جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة الفساد بأنّه: مخالفة الفعل الشّرع بحيث لا تترتّب عليه الآثار، ولا يسقط القضاء في العبادات.. قال تعالى (ولا تفسدوا في الأرض) من خلال عمل المعاصي لكونها تفسد الأخلاق ومتى فسدت الأخلاق فسدت الأعمال وبذلك تفسد الأرزاق لقوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) صدق الله العظيم، فمن أنواع الفساد الإداري: يتمثل بشكل رئيسي في الرشوة وهي نوع من أنواع الفساد، يُطلق على دفع شخص أو مؤسسة مالاً أو خدمة من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو أن يعفي نفسه من واجب عليه، والاختلاس بقيام موظف بأخذ أموال من مرفقة بشكل سري دون أن يعلم به أحد وهو من أنواع السرقة، والكسب غير المشروع وهو شكل من أشكال الفساد السياسي، ويتمثل في الاستخدام غير الأخلاقي لسلطة السياسي من أجل تحقيق مكاسب شخصية. وتتمتع معظم الأنظمة الحكومية بذلك، والابتزاز من قبل الموظف لأي شخص يتردد على طلب خدمة، واستغلال النفوذ وهو الأمر الشائع حالياً، والمحاباة والمحسوبية دون المراعاة لاحتياجات المرفق أو الجودة في الاختيار المناسب.
مما ذلك يعمل على تأثير الفساد وانتشاره: لأن اﻟﻔﺴﺎد اﻹداري واﳌﺎﱄ اﻷﻛﺜﺮ ﺿﺮر اً واﻷﺻﻌﺐ ﲢﻠﻴﻼً، وذﻟﻚ بسبب ﻣﺎ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﳑﺎرﺳﺘﻪ من خلل كبير يصيب أخلاقيات العمل لدى الموظف ويؤدي الى عدم احترام القيم المجتمعية بحيث يصبح الفساد عمل مقنن وكعرف سائد بأنه حق من الحقوق وليس جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها الشرع والقانون. وتعود أسباب الفساد الإداري لانتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة بالحقوق الفردية، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة في مرافق العمل، أو لعدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وتحكمها في ميزانية السلطة القضائية.
ما ينتج آثار الفساد: يؤدي الفساد إلى تقويض التنمية الاقتصادية لتسببه في حدوث تشوهات وحالات عجز ضخمة في البلاد ويؤدي انتشار الفساد في القطاع العام إلى تدهور الدولة وسقوطها في مستنقع الفساد الإداري والمالي والسياسي بوجود طبقتين فقط طبقة فاحشة الثراء وهم الماسكين مفاصل الدولة وطبقة دنيا لا تجد قوت يومها وهي طبقة الشعب ويؤثر ذلك أيضا على القطاع الخاص في زيادة كلفة العمل التجاري من خلال زيادة سعر المدفوعات غير المشروعة نفسها وكذلك لإزدياد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع المسؤولين ومخاطر انتهاك الاتفاقيات وأبرز مثال ما هو حاصل من خلال انتشار محلات الصرافة التي أصبحت أكثر من المحلات الغذائية وسيطرتها على جميع مفاصل الدولة تحت حماية وسكوت من مسؤولين هم يملكونها أو شريكون فيها.
لذلك لابد من أهمية مكافحة الفساد: من خلال عملية تقويض سيادة القانون والعمل على محاربة الفساد بدلاً من العمل على تغذيته بتغذية الصراعات وعدم إحلال السلام لكي يتم الفساد بطرق مشروعة وعدم وجود أي رقابة ولذلك يجب منع الفساد وتعزيز الشفافية وتقوية المؤسسات أمر بالغ الأهمية إذا أريد تحقيق الغايات المتوخاة في أهداف التنمية المستدامة لكون الفساد الإداري أصبح فساد أخلاقي نتيجة الانحطاط في سلوكيات الإنسان بحيث جعله لا يحكم عقله ولايفرق بين الصواب والخطأ، الذي ميزه الله به عن غيره من المخلوقات، فيستسلم لنزواته وشهواته ورغباته لإشباعها، فينحط بذلك إلى أقل الدرجات و المراتب، وينتج عن ذلك انتشار الرذيلة و الفاحشة، والسلوكيات المخالفة للآداب العامة في المجتمع.
اذاً فطرق مكافحة الفساد: تكمن في نشر الوعي القانوني والثقافي لدى جميع أفراد المجتمع وتخصيص مكافأة ماليّة للموظفين لمن يقوم بالتّبليغ عن حالات الفساد في الدّوائر الحكوميّة، وإلغاء قانون شاغلي الوظائف العليا، وسنّ الأنظمة والتشريعات الشّفافة وتفعيل جهاز مكافحة الفساد دون أي مراعاة أو خوف، وإنزال أقصى العقوبات على مخالفيها وفقاً للقانون.
رئيس محكمة الميناء الابتدائية م/عدن
اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


لا تعليق