فواز العويضاني
إذا ما تمعنا فيما يقوم به الطبيب أثناء ممارسته العمل الطبي فإن الأفعال التي يقوم بها كأفعال مجردة إن قام بها أي شخص عادي تعد لاشك أفعال مجرمه يعاقب عليها القانون فعلى سبيل المثال فإن تلك الأفعال:(الوخز، القطع، اللمس… الخ) هي أفعال مجرمة في القانون اليمني إن ارتكبها الإنسان العادي ولكن المشرع اليمني قد اباح تلك الافعال وغيرها من الأفعال للطبيب وجعلها مباحه وغير مجرمه، ولكن هذه الإباحة ليست مطلقة فقد وضع المشرع اليمني لتلك الإباحة شروط إن سقط أو فقد أحدها تسقط معها الإباحة ويقع الطبيب تحت المسؤوليه الجنائية و من الممكن تلخيص شروط إباحة العمل الطبي بالاتي:
(1) الإلمام بالعلوم الطبية (شهاده جامعيه من جامعه معترف بها).
(2) ترخيص لمزاولة المهنة ساري المفعول.
(3) رضا المريض (بعض التشريعات اعتبرت ذهاب المريض للمستشفى رضا ضمني ولكن في العمليات الجراحية يتوجب وجود رضا خطي).
كما أن بعض التشريعات كالقانون المصري اشترط على الطبيب أن يتوفر لديه (قصد العلاج) دون اشتراط تحقق ذلك بل يكفي بذل الجهد والعناية لتحقيق ذلك.. مثلا ذلك الطبيب الذي تتوفر فيه كافة شروط إباحة العمل الطبي إلا أنه يرتكب عمليه اجهاض أو نقل أعضاء بقصد المتاجرة بها فهنا سقط شرط (قصد العلاج) وبالتالي سقط شرط من شروط إباحة العمل الطبي ونكون بصدد جريمة عمدية.
في المجمل فإن عدم توفر شرط من الشروط سالفة الذكر يجعل معه الطبيب تحت طائلة المسائلة الجنائية عن جريمة عمدية كونه فقد أسباب إباحة العمل الطبي، أما مع توفر شروط الإباحة سالفة الذكر فإن الفعل الذي يرتكبه الطبيب وينتج عنه ضرر للمريض فهنا يسأل الطبيب عن الخطأ الطبي أو التقصير المهني سواء السلبي (الامتناع) أو الإيجابي والذي ينتج عنه ضرر للمريض، فقد نظم المشرع اليمني الخطأ المهني ضمن قانون الجرائم والعقوبات مع عدم توفر القصد الجنائي وإنما عن بفعل الخطأ أو التقصير فالخطأ الطبي يقع تحت مظلة النص العقابي للخطأ المهني (الاصابة الخطأ) وذلك في المادة (245): (يعاقب بالدية أو بالارش على حسب الاحوال من تسبب بخطئه في المساس بسلامة جسم غيره وبالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة وإذا نشأ عن الجريمة عاهة مستديمة أو إذا وقعت نتيجة اخلال الجاني بما توجبه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو مخالفته للقوانين واللوائح او كان تحت تأثير سكر أو تخدير عند وقوع الحادث كانت عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنتين او الغرامة) وربما لم يوفق المشرع فيما يخص ارتكاب الخطأ أثناء حالة السكر فكان لابد من تشديد العقوبة في هذه الحالة إن كان قد تعاطى المسكر بعلمه ورضاه.. فهذا التصرف لن يقوم به من يمتلك حرص الإنسان العادي فكيف بالطبيب الذي يعلم جيدا خطورة مهنته وأن تعاطيه للمسكرات قد يؤدي إلى نتائج وخيمة قد تصل إلى الوفاة!
أن التشريعات الخاصة بالعمل الطبي قد حددت شروط العمل الطبي ومستويات واختصاصات الأطباء كلا بحسب شهادته ونوع ترخيص مزاولة المهنه، وذلك وفقا للقانون رقم (26) لسنة 2002م بشأن مزاولة المهن الطبية والصيدلانية في يخص الترخيص وشروط مزاولة المهنة:
مادة(4): يحظر مزاولة المهنة إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس ويسري هذا الحكم أيضاً على الأطباء المستقدمين والزائرين قبل مباشرتهم العمل في المنشآت الحكومية والخاصة.
مادة(5): يشترط للحصول على ترخيص مزاولة المهنة ما يلي:
1-أن يكون حاصلاً على شهادة بكالوريوس في الطب البشري أو طب الأسنان أو الصيدلة من إحدى الجامعات اليمنية المعتمدة أو ما يعادلها من إحدى كليات الطب البشري أو الأسنان أو الصيدلة الخارجية والمعترف بها على أن تكون مجازة من قبل المجلس.
2-أن يكون قد قضى فترة التدريب الإجباري (الإمتياز).
3-أن يكون قد أدى القسم الطبي.
4-أن يكون قد أدى خدمة الريف الالزامية المحددة في هذا القانون.
5-أن يكون أسمه مقيداً في سجلات المجلس.
6-أن يكون مسجلاً بسجلات النقابة.
7-أن لا يكون قد صدر ضده حكم قضائي بات في قضية مخلة بالشرف أو الأمانة مالم يرد إليه اعتباره.
كما نصت المادة (24) منه: (يتم إجراء العمليات الجراحية للمريض بعد إعطائه المعلومات الضرورية عنها وأخذ موافقته كتابياً ،أما إذا كان المريض فاقد الوعي أو ناقص الأهلية أو كان مصاباً بعاهة تمنعه من التعبير عن إرادته فتؤخذ موافقة ولي أمره).
لذا فإن عمل ومهام الأطباء دقيقه جدأ وفقاً لاختصاصه فلا يمكن لاختصاصي الجراحه ان يقوم بعمل اختصاصي الطبيب المخدر كما أن الطبيب العام لا يمكن له أن يقوم بالعمليات الجراحية وهكذا.
إن العمل الطبي من أنبل وأخطر المهن على الإطلاق فموضوع عمل الطبيب هو الإنسان لذا فقد وضع المشرع اليمني شروط دقيقة لممارسة العمل الطبي ونظم شروط إنشاء المنشآت الطبية وذلك لحماية المريض من التجاوزات التي قد يرتكبها بعض الممتهنين لهذه المهنة العظيمة.
ولأهمية وخصوصية هذه المهنة فإن الجرائم والأخطاء التي تقع أثناء مزاولة مهنة العمل الطبي يكون التحقيق فيه عبر لجنة طبية متخصصة يصدر بها قرار من المجلس الطبي وذلك وفقاً للقانون رقم (28) لسنة 2000م بشأن إنشاء المجلس الطبي التي تقوم بعمل تقرير متكامل عن الواقعة وإحالتها إلى النيابة العامة.
ولكن علم الطبيب بعدم وجود ترخيص مزاولة لمهنة الطب أو عدم وجود شهادة جامعية لديه من جامعة معترف بها فعليه أن يثبت بأنه طبيب توفرت لديه شروط إباحة العمل الطبي، كذلك عدم رضا المريض بالرغم من علمه عدم توفر كل أو جزء من شروط اباحة العمل الطبي وبالرغم من ذلك تتجه إرادته للقيام بالعمل الطبي يجعله لا شك محل مسائلة جنائية عمدية عن كل فعل يقوم به، وفي بعض التشريعات فإن عدم مواكبة الطبيب للتطور العلمي للعلوم الطبية يجعله تحت المسائلة القانونية.
إما المسائلة عن الخطأ الطبي فيكون بعد التأكد من توفر شروط إباحة العمل الطبي.. والحديث عن الخطأ الطبي (كفعل) يطول شرحه ولا شك أن هناك بحوث ودراسات عدة في هذا الموضوع لأهميته وصعوبة إثبات الخطأ الطبي كونه من الأمور الطبية المعقدة والتي يصعب معه تحديد الرابطة السببية بشكل دقيق إلا بوجود تقرير طبي من الجهة المخولة قانوناً فلابد من الدقة في تحديد عناصر الركن المادي (خطأ طبي) (النتيجة) (الرابطة السببية) فالامر يتعلق بجوانب فنية علمية، وفي اعتقادي أن جرائم الأخطاء الطبية من أصعب الجرائم التي قد تصادف المحقق لذا فيعتمد المحقق على التقرير الطبي الصادر من المجلس الطبي بشكل رئيسي إلى جانب وسائل الإثبات الأخرى لإثبات التهمة مع الحق فيمن لحقه الضرر رفع دعوى مدنية بالتعويض.
*نائب مدير عام الشؤون القانونية
اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


لا تعليق