جريمة الاشتراك بعصابة مسلحة في القانون اليمني


القاضي عبد الفتاح علي محمد القميري

جريمة الاشتراك في عصابة مسلحة من الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، ويعاقب عليها المشرع اليمني بعقوبة مشددة إذ تنص المادة (133) من قانون الجرائم والعقوبات  الآتي” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات: 

  1. كل من اشترك في عصابة مسلحة بقصد اغتصاب الأراضي أو نهب الأموال المملوكة للدولة أو لجماعة من الناس أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجرائم
  2. كل من اشترك في عصابة مسلحة هاجمت جماعة من الناس أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة المكلفين بتنفيذ القوانين.

وإذا نتج عن أي من أفعال الجناة المذكورة في الفقرتين السابقتين موت إنسان تكون العقوبة الإعدام حداً، ولا يخل ذلك بحق ولي الدم في الدية إذا كان المجني عليه من غير المقصودين بالجريمة.”

ولم يُعرف قانون الجرائم والعقوبات اليمني معنى العصابة المسلحة، وكم هو العدد الكافي لإمكان القول أننا أمام عصابة مسلحة اشترك الفاعل فيها، أو انتمى أو انظم إليها.

وعلى رأي بعض الفقه فإن معنى العصابة لا يفترض فيه فقط حالة “التجمع” ولكن أيضاً “اجتماع” بعض الرجال ذوي درجات يتوفر بينهم انسجام مشترك تحت قيادة، أما وعدد الأفراد اللازم لتشكيل العصابة فهذا أمر ومسألة تُقرر وتؤخذ بحسب الاعتبار وفقاً للهدف الذي تبتغيه، وهذه مسألة متروكة لمحكمة الموضوع في أن تبحث وتقدر فيما إذا كان عددهم كافياً لتأليف العصابة المسلحة سواء قصدت اغتصاب الأراضي أو نهب الأموال المملوكة للدولة أو ….  وبالتالي فإن العصابة المسلحة هو تجمع إجرامي لارتكاب الجرائم المحددة على سبيل الحصر في الفقرة الأولى والثانية من المادة (133) من قانون الجرائم والعقوبات بحيث إن أعضاء وأفراد العصابة مرتبطون فيما بينهم بروابط واضحة يشكلون هيئة أو مجموعة قادرة على العمل الإجرامي في الزمن الملائم، بما يولد الخطر ويكشف النية الإجرامية. بينما يرى البعض أن العصابة لا تعتبر موجودة إلا إذا كانت قائمة بصورة دائمة ومنظمة تنظيماً هرمياً، أما إذا كان هناك تجمع مفاجئ وعرضي لعدد من المسلحين دون وجود تنظيم سابق فلا يمكن اعتباره عصابة مسلحة، ولذا يجب التميز بين العصابة المسلحة والتجمعات الغوغائية التي هي اجتماع أشخاص يجدون أنفسهم في وضع عدائي معلن ضد القوانين والأنظمة، ولكن دون خضوعهم إلى تنظيم أو تنسيق مسبق، بينما تفترض العصابة وجود تنظيم وسلطة لها إدارة وأهدافاً.

ويشترط لتحقق هذه الجريمة بفقرتيها المنصوص عليها في المادة (133) عقوبات أن تكون هذه العصابة مسلحة حسبما نصت عليه تلك المادة، لأن السلاح عنصر داخل في السلوك الإجرامي لهذه الجريمة.

ويُلاحظ من نص تلك المادة أن المشرع اليمني قد حدد صورتين لارتكاب تلك الجريمة الأولى الاشتراك في عصابة مسلحة بقصد اغتصاب الأراضي أو نهب الأموال المملوكة للدولة أو لجماعة من الناس أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجرائم. والأخرى الاشتراك في عصابة مسلحة هاجمت جماعة من الناس أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة المكلفين بتنفيذ القوانين، وقد حدد تلك الصور على سبيل الحصر لا المثال، وأوجب العقاب على الأولى لمجرد تحقق الخطر ولو لم يترتب على الجريمة أي أثر أو نتيجة، وذلك لمجرد أن تقصد العصابة المسلحة ارتكاب إحدى الجرائم المحددة بالنص حتى دون أن تباشر الأفعال التنفيذية للجريمة. بينما الصورة الثانية ليس كسابقتها فهي من جرائم الضرر التي يترتب على السلوك الإجرامي فيها حدوث ضرر معين في المصلحة محل الحماية الجنائية يمثل عدواناً فعلياً لحق بتلك المصلحة، إذ يترتب على تعبير “هاجمت”  وقوع فعل تنفيذي أي أن العصابة المسلحة قامت بالهجوم على جماعة من الناس أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة المكلفين بتنفيذ القوانين. 

ومما يُلاحظ أيضاً على المشرع في هذا النص أنه تكلم بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد، بقوله في الفقرة (1) ” أو لجماعة من الناس”، وفي الفقرة (2) “هاجمت جماعة من الناس” ويستوي في الأولى أن تكون جماعة الناس من الساكنين في قرية أو مدينة أو في طريق عام سواء كانت هذه الجماعة من المواطنين أو الأجانب، أما في الصورة الثانية فيستوي أن يكون القاسم المشترك بين أفراد الجماعة وحدة المقر السكني أو وحدة السلالة أو وحدة الدين أو اللغة أو وحدة الحالة الاقتصادية أو مجموعة من الأفراد في طريقهم لحضور حفلة زواج أو فوج أو مجموعة سياحية، فأي جماعة تجمع أفرادها حد أدنى من الخصائص المشتركة يمكن أن يكون محلاً لهاجمة العصابة المسلحة التي يعتبرها القانون مكونة لهذه الجريمة، – ومن وجهة نظري- فأن المشرع اليمني لم يكن موفقاً عند اشتراطه لقيام هذه الجريمة أن يكون قصد العصابة المسلحة نهب أموال جماعة من الناس أو مهاجمة جماعة من الناس، إذ يكفي تحقق قيام العصابة المسلحة سواء كان القصد نهب أموال جماعة من الناس أو فرد منها، أو هاجمت جماعة من الناس أو فرد منها، فقد تقوم يوماً بنهب ومهاجمة جماعة ويوم فرد أو اثنين فالفعل واحد والخطورة واحدة، ولا يمكن التسليم بإعفاء تلك العصابة المسلحة من العقوبة المشددة الواردة في ذلك النص  خاصةً إذا ما تم هجومها على الفرد. وهو ما يجب على المشرع أن يعيد النظر في صياغة النص بما يستقيم مع ذلك والمنطق القانوني.

كما يُلاحظ على المشرع اليمني أنه لم يفرق بين عقوبة من تزعم العصابة المسلحة أو من تولى قيادتها أو من ألّف العصابة المسلحة أو من نظمها، وبين الأفراد المنظمين للعصابة المسلحة فجميعهم سواء من حيث العقوبة، على غرار نص المادة (1) من القانون رقم 24 لسنة 1998م بشأن مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع الذي عاقب بنفس العقوبة وهي الإعدام للشريك ومن تزعم عصابة للاختطاف أو التقطع أو نهب الممتلكات العامة أو الخاصة بالقوة، ومما يلاحظ على هذا النص أنه لم يشر صراحة إلى تلك العصابة أنها مسلحة على خلاف نص المادة (133) عقوبات، وإنما اكتفى بالقول من تزعم عصابة، ولكن مما يستشف من صيغة النص أن من يتزعم عصابة للاختطاف والتقطع و… يكون في الغالب مسلحاً، وذلك من خلال إيراد المشرع تعبير “بالقوة” فلا يمكن لمن يقوم بمثل هذه الأفعال دون أن يستخدم السلاح أو يحمله. ويبقى السؤال كيف يتم التوفيق بين نص المادة (133) عقوبات وبين نص المادة (1) من قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع في حال قيام عصابة مسلحة بنهب الممتلكات العامة أو الخاصة بالقوة، فما يحسن أولاً للمشرع اليمني في النص الأخير أنه لم يفرق بين الجماعة والفرد على خلاف ما جاء في نص المادة (133) عقوبات على النحو المبين سابقاً وقد تدارك المشرع في هذا النص جزئية من الخطأ الوارد في المادة (133) عقوبات، وما يمكن تطبيقه  عند قيام العصابة بنهب الممتلكات العامة أو الخاصة بالقوة هو نص المادة (1) من قانون مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع الصادر عام 1998م باعتباره القانون اللاحق على صدور قانون الجرائم والعقوبات عام 1994م.

و جريمة الاشتراك في عصابة مسلحة من الجرائم العمدية التي يلزم لتحققها توفر القصد الجنائي بانصراف إرادة كل عضو في العصابة إلى أركان عناصر السلوك المادي للجريمة، وتلاقي إرادة أفراد العصابة المسلحة ولو لم تحدث بالفعل واقعة اغتصاب أو نهب أو مقاومة… فانضمام شخص إلى مجموعة بشرية دون العلم أن هذا التكتل مسلح وأن الهدف منه هو ذلك لا يوفر تحقق هذه الجريمة في حق هذا الشخص.

ولخطورة هذه الجريمة فإن الاختصاص النوعي بنظرها ينعقد للنيابات والمحاكم الجزائية المتخصصة وفقاً للمادة (2/7) من قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (31) لعام 2009م بشأن إنشاء وتنظيم المحاكم الجزائية المتخصصة، ولكن هناك جدلاً قائماً اليوم بين النيابات العامة والنيابات الجزائية حول مفهوم العصابة في جريمة التعدي على أراضي وممتلكات الدولة والمواطنين، ومرد هذا الجدل إحالة النيابات العامة لكثير من الملفات إلى النيابات الجزائية المتخصصة بوقائع الاعتداء على ملك الغير لمجرد ارتكابها من عدة أشخاص بقوة السلاح بحجة عدم الاختصاص النوعي على اعتبار ذلك عصابة مسلحة ودون أن تتحقق من وجود التنظيم والتبعية وتوزيع الأدوار والوظائف ودون معرفة أن يكون لها رئيس ومرؤوسون حسب ما تقتضي ذلك العصابة المسلحة، كما أن الغالب في التعدي على أراضي وممتلكات الدولة والأفراد هو التسلح ومن ثم فأن جرائم التعدي الوقتية التي تقع بين الأفراد بدعوى ملكيتهم لهذا العقار أو حيازتهم له ودون أن تكون الجريمة ملازمة لهذه المجموعة فلا تكون معه جريمة التعدي المنصوص عليها في المادة (2/7) من قرار مجلس القضاء المنوه إليه، ومن ثم فأن تصرف النيابات ذات الولاية العامة لمثل هذه الجرائم بالإحالة للنيابات الجزائية المتخصصة دون أن تتوفر في الواقعة الاحكام القانونية السالف بيانها هو تصرف خاطئ مخالفاً للقانون ويتعين على أعضاء النيابة مراعاة ذلك عند التقرير بعدم الاختصاص بحسب ما ورد في الكتاب الدوري رقم (1) لسنة 2011م بشأن أحكام المادة (2/7) من قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (31) لعام 2009م بشأن إنشاء وتنظيم المحاكم الجزائية المتخصصة الصادر من معالي النائب العام بتاريخ 10/1/2011م.

وكيل النيابة الجزائية المتخصصة م/ تعز 


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد