الدكتور خالد صالح بن شجاع
يعد التحكيم أقدم وسيلة وجدت في الماضي لحل الخلافات والمنازعات بين الأفراد والجماعات، قبل قيام الدولة، ثم تطور معها إلى أن أصبح في شكل قواعد داخلية ودولية، ونظام التحكيم نظام عتيق جذوره ضاربه في أعماق تاريخ البشرية.
ومما لا شك فيه أن التحكيم وجد منذ القدم وعرف في المراحل الأولى لتكوين الفكر القانوني عند الإنسان، فكان في تلك الفترة يعالج المنازعات التي تتم بين الأفراد والجماعات والتكوينات حينها ثم تطور تدريجياً مع تطور النمو الحضاري للبشرية حتى وصل إلى ما نحن عليه اليوم في العصر الحديث. وعلى الرغم أن التحكيم أقدم من القضاء ووجد قبل قيام الدولة بسلطاتها الثلاث والتي تعد السلطة القضائية هي صاحبة الولاية العامة في فض وتسوية المنازعات بالمجتمع وفقاً للدستور وقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م وتعديلاته بالقانون رقم (27) لسنة 2013م، ونظم المشرع قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم (40) لسنة 2002م وتعديلاته إجراءات التقاضي أمام المحاكم في المنازعات المدنية والتجارية ويسري ذلك على المنازعات الإدارية، فيما نظم قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لسنة 1994م الإجراءات المتعلقة بالجريمة ما قبل المحاكمة وأثناء المحاكمة بكافة دراجاتها فيما يخص الجرائم بالمجتمع ومعاقبة مرتكبيها.
ونظم المشرع قانون التحكيم في القانون رقم (22) لسنة 1992م والمعدل بالقانون رقم (32) لسنة 1997م – يسمى هذا القانون (قانون التحكيم) وقد تضمن الفصل الأول أحكام عامة، ومن ثم تضمن الفصل الثاني اتفاق التحكيم، وشمل الفصل الثالث إجراءات اختيار المحكم، وبين الفصل الرابع اختصاص لجنة التحكيم، وفي الفصل الخامس إجراءات التحكيم، وتضمن الفصل السادس حكم التحكيم ومن ثم الفصل السابع الطعن في حكم التحكيم، تضمن الفصل الثامن تنفيذ أحكام التحكيم، واخيراً تضمن الفصل التاسع أحكام ختامية.
حيث يتبين أن القانون نظم الإجراءات والقواعد والأحكام المتعلقة بالعملية التحكيمية لفض المنازعات المدنية والتجارية أمام لجنة/ هيئة التحكيم، ويعد قانون التحكيم اليمني أول قانون عربي للتحكيم حيث صدر بعد قيام الوحدة اليمنية بين (الدولتين) ومأخوذ من قانون الاونسيترال النموذج لتوحيد التجارة الدولية، حيث أصبح التحكيم قضاء أصيل في تسوية منازعات التجارة الدولية وقد تم تحديث وتطوير قواعد وإجراءات التحكيم خلال الثلاثة عقود من الزمن مما يستدعي الأمر مواكبة ذلك.
وبما أن المشرع منذ البداية أسند لوزارة العدل المهمة في كل ما يتعلق بالقضاء والعدالة من تأهيل الكادر القضائي والإداري والبنية التحتية وكل ما يلزم لتسهيل وصول المتقاضين للمحاكم وإجراء محاكمة عادلة، قبل انتهاج النظام الديمقراطي ومبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ومع ذلك مازالت الوزارة تقدم كافة السبل والخدمات المتعلقة بالقضاء والعدالة، وتعمل على تطوير وتنظيم الوسائل البديلة لفض وتسوية المنازعات بين الخصوم للوصول إلى عدالة ناجزة لا تقل أهمية عن قضاء الدولة صاحب الولاية العامة في فض المنازعات بل وتخفف الضغط عن المحاكم وعبء تكدس الملفات والقضايا.
أن القضاء والتحكيم يتفقان في دورهما في فض وحسم المنازعات بقرارات واحكام إلا أنهما يختلفان في أن القضاء هو الطريق الأصيل والطبيعي لحل المنازعات ويلجأ إليها الكافة وهو حق مقرر لجميع أفراد المجتمع، بل ويجبر من لا يستجيب لدعوة القاضي على المثول أمامه أو الحكم عليه، وينفذ الحكم جبراً عن طريق السلطات العامة، فالسلطة القضائية أحد مظاهر سيادة الدولة وللقضاء الرسمي ولاية عامة فهو مختص بنظر جميع القضايا التي تعرض عليه والفصل فيها حسب الأنظمة المعمول بها في الدولة. أما اللجوء إلى التحكيم فلا يكون حقاً مقرراً لجميع الناس ولا يشمل كل المواضيع، فهناك قضايا أو مسائل لا يجوز اللجوء إلى التحكيم لحل النزاعات الناشئة عنها. وولاية التحكيم لا تقوم إلا برضا أطراف النزاع عن طريق اتفاق التحكيم الذي يتضمن اتفاق أطراف الخصومة على اللجوء إلى التحكيم، والذي بدوره أيضاً يحدد نوع الخصومة والإجراءات التي يجب إتباعها لإنهاء تلك الخصومة.
وأهمية التحكيم تنبع من خلال ما يمتاز به من خصائص السرعة في فض النزاع، والخبرة والتخصص بالنزاع، والحفاظ على السرية، واستمرار العلاقة بين الأطراف، والمرونة بالإجراءات، وملائم للتنمية الاقتصادية وحافزاً للاستثمار.
قضاء التحكيم يعد قضاء من نوع خاص يستند قوته من إرادة الأطراف (الاتفاق) واعتراف المشرع به والتحكيم بدايته اتفاق ونهايته حكم وبينهما إجراءات، وثمرة الأحكام تنفيذها وحتى تتحقق تلك الغاية وفق فلسفة التحكيم يحتاج الأمر إلى نشر ثقافة التحكيم لزيادة الوعي لدى المحتكمين، والقيام بالبرامج التدريبية لتأهيل المحكمين ومنح لهم التراخيص، وتطوير تلك النظم والإجراءات واللوائح المتعلقة بمسائل التحكيم ومتطلبات اعتماد قبول المؤسسات والمراكز التحكيمية والإشراف عليها وفق الشروط اللازمة والضوابط والمعايير الحديثة.
حيث أنشأت الوزارة في قطاع المكتب الفني إدارة متعلقة بشؤون التحكيم والوسائل البديلة بالقرار رقم (398) لسنة 2020م وحددت المهام والاختصاصات المتعلقة بها وفق المادة (3) تتولى إدارة شؤون التحكيم والوسائل البديلة المهام والاختصاصات التالية:
1-الإشراف على كافة الإجراءات المتعلقة بشؤون التحكيم والوسائل البديلة.
2-إعداد الدراسات والمقترحات اللازمة للنهوض بالوسائل البديلة (التحكيم – التوفيق – الوساطة وغيرها).
3-دراسة الإجراءات المتعلقة بتنظيم أساليب وإجراءات التحكيم والوسائل البديلة وتقديم المقترحات اللازمة لذلك ومتابعة إقرارها وتنفيذها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
4-تطبيق الأنظمة المتعلقة بشؤون التحكيم والوسائل البديلة وتحديد شروط اختيار المحكمين وإجراءات منح التراخيص الخاصة بهم وفقاً للقوانين واللوائح المعتمدة.
5-إعداد النماذج والإرشادات المتعلقة لشؤون التحكيم والوسائل البديلة لحل المنازعات ومتابعة تنفيذها.
6-المشاركة في إعداد الخطط والبرامج والتعاميم المتعلقة بشؤون التحكيم والوسائل البديلة وإدراجها ضمن خطة عمل الوزارة السنوية.
7-المشاركة في إعداد وتنفيذ البرامج التدريبية الخاصة بشؤون التحكيم والوسائل البديلة بالتنسيق مع الجهات والإدارات المختصة.
8- المشاركة في جميع الأنشطة المتعلقة بشؤون التحكيم والوسائل البديلة داخلياً وخارجياً.
9- القيام بأي مهام أو أي اختصاصات أخرى تقتضيها طبيعة عمل الإدارة أو تكلف بها.
وتستند الوزارة بذلك بناء على قانون البنوك رقم (38) لسنة 1998م، وعلى القرار الجمهوري رقم (268) لسنة 2013م بشأن اللائحة التنظيمية لوزارة العدل، وعلى القرار الوزاري رقم (264) لسنة 2014م بشـأن لائحة التقسيمات الفرعية للهيكل التنظيمي لوزارة الــعـــدل، وايضاً أن قوانين التحكيم العربية الحديثة والنافذة مثل قانون التحكيم السوري رقم (4) لسنة 2008م، وقانون التحكيم القطري رقم (2) لسنة 2017م، وقانون التحكيم السوداني لسنة 2005م المعدل لسنة 2016م وغيرها تضمنت تلك القوانين فصل خاص بشأن تراخيص مؤسسات ومراكز التحكيم وكما هو معلوم أن القوانين المقارنة ذات العلاقة والفقه والقضاء تعد من مصادر الهامة التي يستند إليها أي قانون بالإضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي يفترض على بلادنا المصادقة عليها، وعلى الرغم من التحديات والمعوقات والحاجة إلى تحديث التشريعات ولكن بغياب السلطة التشريعية عن القيام بدورها بسبب الحرب والظروف الحاصلة بالبلد وقلة الإمكانيات والنفقات وغيرها ومع ذلك العمل قائم على إعداد برامج ودورات تأهيل للمحكمين والاستفادة من التجارب والكفاءة بمسائل التحكيم بين النظرية والتطبيق ومن ثم يتم اعتماد قوائم للمحكمين وتوزيعهم على فئات من قبل الوزارة بعد أن يتم اعدادهم بالمعرفة الشاملة بأسس وقواعد التحكيم وإجراءاته، والإلمام بمبادئ التحكيم مثل مبدأ استقلال اتفاق التحكيم، ومبدأ الاختصاص بالاختصاص وغيرها من المبادئ والقواعد المستقرة وفق القوانين النافذة وفقهاء التحكيم والقضاء العربي المقارن، أما فيما يتعلق بالمراكز والمؤسسات التي تزاول اعمال التحكيم دون اعتماد الوزارة انظمتها ولوائحها وبدون ضوابط وقواعد وتخصص واشراف ورقابة هذا الأمر إذا ترك يترتب عليها ضرر يصيب المصلحة الخاصة والعامة بالذات ممن يمارسون التحكيم وليس لديهم مؤهلات علمية في قانون التحكيم أو خبرة عملية في مجال منازعات التحكيم أو الأنشطة التي يمارسون بها اعمالهم، حيث البعض لديهم كارنيهات وشهادات تطلق عليهم صفات عديدة تحت مسمى قاضي تسوية منازعات أو محكم دولي أو المستشار والمحكم الدولي حصلوا عليها من جهات مشبوهة للأسف ليس لها وجود بالواقع تهدف إلى الكسب الغير المشروع مقابل 200 أو 300 دولار من خلال اعلان عن المشاركة بعدد من الساعات عبر النت والتطبيقات اون لاين وتمنح حتى بدون مشاركة، وفي الحقيقة ان تلك الجهات غير مرخصة وليست جهات رسمية أو أكاديمية تمنح شهادات معتمدة إنما تمنح صفات وهمية وغرضها مادي، وهناك العديد من تلك الجهات المشبوهة تم ملاحقة والقبض على بعض العناصر في البلدان العربية كما هو حاصل في جمهورية مصر العربية.
وقد عملت الوزارة في العاصمة عدن خلال الفترة الماضية العديد من اللقاءات والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، والعمل على التريث وإيقاف منح أي تراخيص لمؤسسات ومراكز تحكيمية لما لذلك من عواقب ومخاطر وافراغ نظام التحكيم ذات الطبيعة الخاصة من محتواه في فض المنازعات وتحقيق العدالة الخاصة، ومازال العمل قائم على وضع لائحة لتنظيم إجراءات منح الترخيص للمؤسسات والمراكز التحكيمية دون الإخلال بفلسفة التحكيم وغايته.
وكما أشرنا إلى الدور المناط لوزارة العدل من خلال إدارة شؤون التحكيم والوسائل البديلة للقيام بالمهام والاختصاصات التي تنعكس على تحقيق فاعلية التحكيم وتطوره مع غيره من الوسائل البديلة الأخرى الوساطة والتوفيق وغيرها من وسائل تسوية المنازعات والتي أصبحت فاعلة في أغلب الدول في المحيط الجغرافي لبلادنا وتم سن لها قوانين ولوائح خاصة بذلك.
ومن الأهمية بمكان يوجد دور للقضاء في تحقيق فاعلية نظام التحكيم لا يقل أهمية عن دور الوزارة من خلال تقديم المساعدة والمساندة للتحكيم سوء قبل تشكيل لجنة التحكيم في حالة لم يتم الاتفاق على المحكم أو لجنة التحكيم أو اثناء سير الخصومة التحكيمية من خلال رد وعزل المحكمين التي تتم بنفس إجراءات رد القضاة بالمحاكم نهيك عن المساعدة باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية بناء على طلب لجنة التحكيم أو المحتكمين، أو بعد صدور حكم التحكيم الدور اللاحق والرقابة القضائية لمحاكم الاستئناف والشعب التجارية حسب طبيعة النزاع على تلك الأحكام عند رفع دعاوى البطلان أمامها حيث تعد محكمة الاستئناف بمثابة محكمة قانون كدور المحكمة العليا على الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم الابتدائية والاستئناف.
وفي الأخير نود أن نبعث العديد من الرسائل من خلال المجلة القضائية بعددها الأول الصادر بإذن الله من العاصمة المؤقتة عدن ونؤكد على أهمية أن تدرس مادة قانون التحكيم ضمن مساق المعهد العالي للقضاء ونتمنى أن يتبنى ذلك قضاتنا الأعزاء أصحاب الشأن عميد المعهد ومعالي الوزير ورئيس مجلس القضاء الأعلى حتى أن يكون لدى خريجين المعهد العالي للقضاء قضاة المستقبل إلمام بالقواعد والإجراءات المتعلقة بمسائل التحكيم، ايضاً رسالة إلى الجامعات ووزارة التعليم العالي كون مادة التحكيم لا تدرس في مساق البكالوريوس بكليات الحقوق والشريعة والقانون ويحتاج الأمر إعادة نظر للبرامج الأكاديمية اسواه بالعديد من الجامعات بالدول العربية التي أصبح للتحكيم برنامج خاص بالدراسات العليا لطلاب الماجستير لأهمية ذلك.
- نائب مدير عام الدراسات والبحوث ومدير إدارة شؤون التحكيم والوسائل البديلة
اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


لا تعليق