الجرائم والعقوبات المتعلقة بالمخدرات


القاضي الدكتور صالح عبدالله المرفدي

تمهيد:
تعيش مدينة عدن واقع مرعب، في ظل انتشار تجارة المخدرات خلال الآونة الأخيرة، الأمر الذي تسبب في الإضرار بعدد من الشرائح المجتمعية في المحافظة، وأصبح مكافحة المخدرات في عدن اليوم، قضية كبيرة لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب، الأمر الذي يتطلب تكاتف محلي ودولي كبيرين.

  • ويمكن تعريف المخدرات بشكل عام على أنها: “كل مادة طبيعية أو إصطناعية أو تخليقية، تؤدي تعاطيها إلى ضعف أو فقدان الوعي والإدراك جزئياً أو كلياً، سواء كان التعاطي عن طريق الشم أو الحقن أو البلع أو أية طريقةٍ أخرى”. وسنحاول في هذه الدراسة، أن نتناول هذه المشكلة من الناحية القانونية، وذلك بإظهار ماهية الجرائم المتعلقة بالمخدرات؟ وماهي العقوبات المقررة لقاء كل جريمة؟ ونسبق ذلك، بالتطرق الى جداول المواد المخدرة بحسب درجة تأثير المخدر، وذلك بالاستناد الى نصوص القانون اليمني رقم (3) لسنة(1993م) بشأن مكافحة والاتجار بالمخدرات.
  • ومن هذا المنطلق ندرس هذا الموضوع في خمسة محاور: ندرس في الأول مدلول المخدرات وأنواعها وطرق وقايتها واعراضها، ونتناول في المحور الثاني جداول المواد المخدرة، و نتطرق في الثالث للجرائم المتعلقة بالمخدرات، ونستعرض في المحور الرابع صور العقوبة من تشديد وتخفيف وإعفاء، ونخصص الخامس لموقف الفقه الإسلامي، ونختم الدراسة بخلاصة للنتائج مع وضع بعض التوصيات والمقترحات.

المحور الأول: مدلول المخدرات، وأنواعها، وآثارها، وطرق وقايتها:
1 – مدلول المخدرات:
المخدرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي، ويطلق لفظ (مخدر) على ما يُذهب العقل و يغيبه، لاحتوائه على مواد كيميائية تؤدي إلى النعاس والنوم أو غياب الوعي، وقد يؤدي استخدام المخدرات إلى ما يسمى (متلازمة التبعية)، وهي مجموعة من الظواهر السلوكية والمعرفية والفسيولوجية التي تتطور بعد الاستخدام المتكرر للمواد، وتتضمن عادة رغبة قوية في الاستمرار بذلك على الرغم من العواقب الضارة، حتى يصل إلى مرحلة الاعتماد عليها وظهور أعراض انسحابية، أن معنى الإدمان: هو رغبة قهرية للاستمرار في تعاطي المادة المخدرة أو الحصول عليها بأي وسيلة، مع الميل إلى زيادة الجرعة المتعاطاة؛ مما يسبب اعتمادًا نفسيًّا وجسميًّا وتأثيرًا ضارًا في الفرد والمجتمع.

2 – أنواع المخدرات:
أنواع المخدرات كثيرة وأشكالها متعددة، وهي خطيرة، سواء ذات المصدر الطبيعي (القات، الأفيون، المورفين، الحشيش، الكوكايين، وغيرها)، أو ذات المصدر الاصطناعي (الهيروين والامفيتامينات وغيرهما)، وأيضًا الحبوب المخدرة والمذيبات الطيارة، وإن أكثر المخدرات انتشارًا في اليمن هي: مادة الحشيش، ثم حبوب الكبتاجون، ثم مادة الميثامفيتامين (الشبو)​، وكلها مواد خطيرة تؤدي إلى الأمراض النفسية والعقلية والجسدية الخطيرة.

3 – آثار مضاعفات إدمان المخدرات:
أ- مضاعفات نفسية (مثل: التغير في الشخصية، والتدني في الأداء الوظيفي والمعرفي).
ب- أعراض ذهنية (مثل: الشعور باللامبالاة، وفقدان الحكم الصحيح على الأشياء).
ج- إصابة جهاز المناعة (مثل: الإصابة بالأمراض الجنسية، والأمراض الفيروسية كالتهاب الكبد الفيروسي).
د- الاضطرابات الهرمونية (مثل: العقم والتأثير في عملية الإخصاب).
ه- التفكك الأسري ومشكلات الطلاق.
و- انتشار الجرائم للحصول على المال أو المقاومة.

4- الوقاية من إدمان المخدرات:
أ- احترام رأي الأبناء وتشجيعهم على التعبير.
ب- اعطاؤهم الثقة بالبوح بمشكلاتهم والتقرب منهم.
ج- التركيز على المبادئ والثوابت الثقافية.
د- تنمية اهتمامات الأبناء بأنشطة إيجابية كالرياضة والرسم والبرمجة وغيرها.
ه- تعليم الأبناء كيفية التعامل مع الضغط النفسي والإحباط.
و- تخصيص وقت للسفر لأداء العمرة أو للزيارة وأوقات للمرح معهم.
ز- تخصيص وقت لقضائه مع كل ابن أو ابنة ومشاركة الأب والأم أنشطتهم المدرسية.
ح- غالبية الآباء والأمهات لا يتصورون أن أبناءهم يمكن أن يستخدموا المخدرات لا قدر الله، وهذه تشكل صدمة نفسية للاهل والابن، يصعب التعامل معها أثناء العلاج!

المحور الثاني: جداول المواد المخدرة:

  • الجدول رقم (1):
    ويحتوي على جميع المواد المخدرة الخطرة بتركيز عال ودرجة نقاوة عالية، ويحظر جلبها أو تصديرها أو التنازل عنها بأية صفة، أو التدخل كوسيط أو مستخدم بأجر أو بدون أجر، إلا باذن صحي.
  • الجدول رقم (2):
    ويشمل مستحضرات تحتوي على بعض المواد المخدرة بمقادير محددة، ولا يسري عليها النظام المطبق على المواد المخدرة في جدول رقم 1.
  • الجدول رقم (3):
    ويتضمن مواد وعقاقير تخضع لبعض القيود المفروضة على المواد المخدرة، جرى تنظيمها طبقاً لأحكام الفصل السادس من هذا القانون.
  • وتطرق الجدول رقم (4):
    للحد الأقصى لكميات المواد المخدرة، الذي لا يجوز للأطباء البشريين أو أطباء الأسنان الحائزين على دبلوم أو بكالوريوس تجاوزها في وصفة طبية.
  • أما الجدول رقم (5):
    فقد تناول النباتات الممنوع زراعتها على سبيل الحصر، وينظمها القانون في الفصل السابع منه.
  • فيما نص الجدول رقم (6):
    على أجزاء معينة من النباتات الممنوع زراعتها، لكنها لا تحتوي على أي مواد مخدرة، وتعد مستثناة من تطبيق أحكام هذا القانون.

المحور الثالث: الجرائم المتعلقة بالمخدرات وعقوباتها:
1- الاستيراد أو التصدير أو الإنتاج أو الزراعة أو التصنيع: وتصل عقوبتها الى الإعدام.

2- الاتجار أو الترويج: وعقوبتها الإعدام او الحبس ٢٥ سنه، لكل من باع أو اشترى أو سلم أو نقل أو قدم للتعاطي، وتقدر العقوبة وفقا لوقائع وظروف وملابسات الجريمة من تشديد أو تخفيف. وتشمل العقوبة، كل من رخص له في حيازة مواد مخدرة لاستعمالها في غرض من أغراض معينة، وتصرف فيها بأية صورة كانت في غير تلك الأغراض، وكل من أدار أو أعد أو هيأ مكانا لتعاطي المخدرات.

3- الحيازة والإحراز: وبأي صورة كانت فعقوبتها الإعدام أو الحبس ٢٥ سنة.

4- المتعاطي: وعقوبته الحبس مدة لاتقل عن سنة، وتزداد العقوبة بحسب درجة خطورة المخدر، فإذا كان من نوع الكوكايين أو الهيروين، تكون العقوبة الحبس لايقل عن سنتين. كما تشمل العقوبة بالحبس مدة لا تزيد عن سنة، كل من ضبط في أي مكان أعد أو هيأ لتعاطي المخدرات مع علمه بذلك.

5- المصادرة: في كل الأحوال تحكم المحكمة بمصادرة الأموال المتحصلة من هذه الجرائم أيً كان نوعها، كما يحكم بمصادرة وسائل النقل التي تكون قد استخدمت في الجريمة، وكذا بإتلاف المواد المخدرة المضبوطة.

6- الإغلاق: ويحكم بإغلاق كل محل مرخص له بالاتجار في المواد المخدرة أو في حيازتها، أو أي محل آخر غير مسكون أو معد للسكن، إذا وقعت فيه إحدى جرائم الاستيراد او التصدير أو الاتجار أو الحيازة أو الترويج. ويحكم بالإغلاق لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة، إذا ارتكبت في المحل جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (38)، وفي حالة العودة يحكم بالإغلاق نهائيا.

المحور الرابع: التشديد والتخفيف والإعفاء من العقوبة
1- التشديد:
ويكون في حالتين:

  • الاولى: كمية المواد المخدرة المضبوطة، ونوعها والجداول المدرجة بها، تلعب دورا فى صدور العقوبة على التجار والمتعاطين لتلك المواد، والأشد عقوبة تجار مدمن الكوكايين والهيروين، وهي من المواد التابعة لجدول 1، والأقل تخديرا والأقراص المخدرة ” كالديزبام والكبتاجون والترامادول.
  • والثانية: يكون التشديد بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن عشر سنوات، لكل من تعدى على أحد الموظفين أو المستخدمين العموميين القائمين على تنفيذ هذا القانون، أو قاومه بالقوة أو العنف، والسجن لمدة خمس عشرة سنة، إذا حصل مع التعدي أو المقاومة ضرب أو جرح، أو نشأ عنه عاهة مستديمة، وتكون العقوبة الإعدام، إذا أفضى الضرب أو الجرح بالموت.

2- التخفيف:
ويكون في حالة واحده وهي: أن يكون المخدر طبيعي أو ضعيف التأثير، ويتم تحديد ذلك وفقا لتقرير المعمل الجنائي، والعقوبة حبس مابين سنة الى خمس سنوات.

3- الإعفاء من العقوبة: ويكون في حالتين:
أ- كل من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة من تلقاء نفسه للمصحة للعلاج، ويبقى بالمصحة إلى أن تقرر اللجنة المشار إليها في هذه المادة الإفراج عنه، ولا يجوز أن تقل مدة البقاء بالمصحة عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنتين.
ب- كل من بادر من الجناة بإبلاغ السلطات العامة عن الجريمة قبل علمها بها، فإذا حصل الإبلاغ بعد علم السلطات العامة بالجريمة، تعين أن يوصل الإبلاغ فعلا إلى ضبط باقي الجناة.
ج- أجاز القانون للمحكمة، أن يتم بإيداع من يثبت إدمانه على تعاطي المخدرات إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض؛ ليعالج فيها إلى أن تقرر اللجنة المختصة ببحث حالتهم.

4- نفاذ العقوبة والنشر:
وتكون الأحكام الصادرة بعقوبة الجريمة غير الجسيمة واجبة النفاذ فورا، ولو مع حصول استئنافها، ويجوز للمحكمة أن تأمر بنشر ملخص الحكم النهائي على نفقة المحكوم عليه في جريدتين يوميتين تعينهما المحكمة المختصة.

  • الجدير بالإشارة، أن القانون اليمني منح مكافأة تشجيعية وفقا للنص الآتي: (تبين بقرار من رئيس الوزراء بناء على عرض وزير الصحة، مقدار المكافأة التي تصرف لكل من وجد أو أرشد أو ساهم أو سهل أو أشترك في ضبط مواد مخدرة). المحور الخامس: موقف الفقه الإسلامي:
    1- حكم الشريعة الإسلامية في المخدرات:
    لقد شدد التشريع الإسلامي في تحريمه المخدرات، لأن ذلك يتفق مع تعاليمه في المخدرات على الأصول الضرورية الخمسة، وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وفي تعاطي المخدرات ما ينافي مقتضى الشريعة في المحافظة على هذه الأصول، وهكذا نجد الشريعة الإسلامية، تحرم كل إتصال بالمخدرات، كزراعتها والاتجار فيها، وقد أفاض العلماء بالحديث عن التعاطي، وما ينتج عنه من آثار، سواء فيما يتعلق بالتصرفات أو العقود الصادرة ممن زال عقله بتناول المخدر أو صدور الطلاق من المتعاطي.

٢- عقوبة متعاطي المخدرات في الشريعة الإسلامية:
لم يختلف العلماء في استحقاق العقوبة بالنسبة للمتعاطي للمخدرات، لكنهم اختلفوا في نوع العقوبة، هل هي حد أم تعزير؟

  • القول الأول: يذهب جمهور الفقهاء إلى أن العقوبة هي عقوبة تعزيرية وليست حدًا؛ بحجة أن الحد في المانع المطرب، أما المأكول الذي لا تتحقق فيه خاصية الطرب فلا حد فيه، وسندهم في وجود التعزير هو، أن تناول المخدرات ذنبا و معصية، و لم يرد فيها حق مقرر أو كفارة، وكل ما كان كذلك وجب فيه التعزير.
  • القول الثاني: من الفقهاء ومنهم ابن تيمية، وابن حجر الهيثمي، وابن حزم إلى القول، بأن العقوبة في المخدرات، يجب أن تكون هي حد السكر قياسا على المسكرات؛ لوجود علّة تغطية العقل التي هي سبب تحريم الخمر، وبناء على ذلك، فإن الأثر الأول بتحريم الحشيشة هو إقامة الحد على متعاطيها ثمانين جلدة.

٣- موقف الشريعة للأعمال المساعدة للتعاطي:
ونشير إلى حكمها في المواد المصطنعة، والمواد التخليقية السارية المفعول، والمنتشرة بكثرة في وقتنا الحاضر، حيث إن فقهاء المسلمين، حكموا بتحريم الحشيش والأفيون وسائر المخدرات التقليدية التي عرفت في عهدهم، و الحكم بتحريم تلك المخدرات؛ يقوم أساسا على عموم النصوص الواردة في تحريم كل مُسكر ومفتر.

خاتمة النتائج والتوصيات:
1- نقل المشرع اليمني صياغته لقانون المخدرات من القانون المصري نقلا حرفيا سلبا وايجابا، حتى يعتقد انه وقع في إحدى وأهم الثغرات، فالقانون لا يعاقب المتعاطي للمخدر إلا بشرطين وهما المذكوران في المادتين (٣٨ و٤٠)، حيث يتضح من خلال هذين النصين، أن من تعاطى المخدر في مكان غير معدّ للتعاطي، كمسكنه أو في الشارع أو جد في حالة تثبت من ظاهره انه متعاطي لمخدر معين غير مسكر، فلا عقاب عليه، وفي اعتقدنا أن المشرع يعاقب على الأسباب التي جعلت المتعاطي مدمنا أكثر من فكرة العقاب على المتعاطي؛ باعتباره مريض وليس مُجرم.

2- ندعو المشرع بإدخال المواد التخليقية والمستحدثة على قوائم المخدرات، سواء المخلّقة كيميائيا أو نباتيا وأهمها الاستروكس، حيث إن المدرج على قوائم المخدرات فى القانون، هى الأنواع التقليدية وأصبحت لا تغطى المواد المخلّقة التى تكاثرت خلال الآونة الأخيرة، وأصبحت أكثر فتكاً بالمتعاطي.

3- لوحظ غياب عقوبة الغرامة عن الجرائم المتعلقة بالمخدرات؛ لذلك ندعو بالنص عليها لما لها من أهمية في سياسة العقاب لاسيما كبار تجار المخدرات.

4- نوصي بإعداد المصحات الخاصة بمعالجة المدمنين؛ باعتبارهم مرضى وليسوا مجرمين.

5- نقترح بالنص في القانون على الوسائل الحديثة والتكنولوجية في الإثبات الجنائي بشكل مفصل، مثل كاميرات المراقبة وغيرها، والتي برز لها دور مهم في إثبات العديد من الجرائم، لاسيما جرائم السرقة والسطو والمخدارت.
نأمل بعد هذا المنشور من شبابنا، الابتعاد عن هذه الآفة بكل الصور والوسائل الممكنة؛ لأضرارها المدمرة على الأفراد والمجتمع. حفظ الله البلاد والعباد، هذا والله اعلم، وهو الموفق للصواب.

*عضو المحكمة العليا للجمهورية


اكتشاف المزيد من الصحيفة القضائية |

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك رد